كان محرم فؤاد، الذي غيبه الموت في السابع والعشرين من يونيه سنة 2002، بعد أن تجاوز السبعين بعام واحد، من أجمل الأصوات التي أنجبتها مصر في النصف الثاني من القرن العشرين. بدأت رحلته مع الغناء في ركن الهواة بالإذاعة، مطلع الخمسينيات، ثم انطلق إلي عالم الشهرة والأضواء بعد أن شارك السندريلا سعاد حسني، وهي تخطو أولي خطواتها في عالم السينما، في بطولة فيلم «حسن ونعيمة»، الذي أخرجه مكتشف النجوم والمواهب عبدالرحمن الخميسي سنة 1959. توالت أغنيات محرم فؤاد، الذي يتسم صوته بالقوة والحيوية والرقة والإحساس المرهف، ويقف في تلك المنطقة التي يختلط فيها الرومانسي بالشعبي. كم يبدو متميز الموهبة وهو يغني بكل ما يمكن من صدق وعذوبة: «يا واحشني رد عليا.. ازيك سلامات»، فالكلمات بالغة البساطة والعذوبة، والأداء المتمكن يهز القلوب. عشرات من أجمل الأغنيات خلفها محرم فؤاد، ومن أشهرها وأروعها «الحلوة داير شباكها»، و«رمش عينه اللي جرحني»، و«سلامات يا حبايب»، وأكثر من عشرة أفلام انفرد ببطولتها، وأعمال مسرحية وإذاعية ناجحة، لكن الأزمة الحقيقية تتمثل في معاصرته لظاهرة خارقة اسمها عبدالحليم حافظ. في زمن العندليب، قد تتسع الساحة لمواهب مثل محرم وقنديل ورشدي وغيرهم، لكن القمة محجوزة بلا شريك لمن تحول اسمه إلي مرادف للمرحلة ومعبر عن تحولاتها. غاب عبدالحليم منذ سنة 1977، لكن حضوره الطاغي لم يتبخر، وسرعان ما تغيرت الخريطة الاجتماعية والثقافية والغنائية، فلم يعد الحديث عن القمة واردا، وانجذبت الأجيال الصاعدة إلي آخرين أكثر قدرة علي تلبية احتياجات الثمانينيات وما بعدها. عاش محرم فؤاد سنواته الأخيرة بعيدًا عن الأضواء الساطعة، ليس لأنه تقدم في العمر فحسب، بل أيضًا لأن المناخ كله لم يعد قادرًا علي احتوائه، فهو مناخ لا يقنع بالصوت الجميل والكلمات المعبرة واللحن المتقن، بل ينشغل في المقام الأول بشكليات أخري لا يتقنها محرم وأبناء جيله، فهم يغنون بحناجرهم وليس بأجسادهم!