هناك خاصية في أجهزة الكتب الإلكترونية (التي ينتجها موقع أمازون) تبدو بسيطة لأول وهلة ولكنها في الحقيقة تمثل تغييرا جذريا في عادات قراءة الكتب لدي الناس، وهذه الخاصية تسمي «Popular Highlights» (اختيارات شائعة) حيث يمكنك أن تري عند قراءة كتاب ما ما هي الفقرات التي يراها غيرك من القراء فقرات مميزة، لأن الكتاب الإلكتروني يسمح لك بوضع تظليل (إلكترونيا) علي العبارات التي يرونها مميزة، تماما كما يفعل القارئ النهم عندما يقرأ كتابا ما ويملأه بالخطوط والتظليل بالقلم الأصفر. هذه مجرد بداية فقط لتداخل الشبكات الاجتماعية مع الكتب، حيث يتوقع قريبا أن تزداد هذه الميزات بحيث يمكنك أن تتواصل مع «الأصدقاء» الذين يقرأون نفس الكتاب، وتتناقش معهم حوله، وتري ما يقرأه غيرك، وغير ذلك من خواص الشبكات الاجتماعية. بمعني آخر، سنحدد المجتمعات الإلكترونية التي ننضم إليها ماذا نقرأ وماذا نتعلم مما نقرأ، بل إن شعبية الكتب وانتشارها سيتحدد بالتأكيد عبر نشاط محبي الكتاب أو أعدائه في أوساط هذه المجتمعات الإلكترونية التي يخلقها الكتاب الإلكتروني. الجميل في هذا كله أن علاقاتنا الاجتماعية ستساهم في تثقيفنا خاصة أننا في زمن سريع، حيث يطلب من كل منا عمل ألف شيء في يوم لا تزيد ساعاته علي 24 ساعة، ليتحول الأصدقاء إلي كتب مفتوحة، يقرأون فنتعلم، ونقرأ فيستفيدون. في المقابل هناك دراسات وكتب تحذر من هذا التطور، ومنها كتاب ظهر حديثا لواحد من أهم المثقفين الأمريكيين المتخصصين في متابعة آثار التكنولوجيا الاجتماعية، وهو «نيكولاس كار»، والذي كتب كتابا بعنوان «the Shallows» تخلقها شاشة الكمبيوتر مثل الروابط وتداخل الصفحات وعمل مهام متعددة في نفس اللحظة (بين الجوال والإيميل والمسنجر والفيسبوك والقراءة وغيرها) يؤدي في الحقيقة لتأثيرات سلبية حادة علي قدرتنا علي التركيز والتحليق الذهني والانغماس في الفكرة، وهي جميعها أمور مطلوبة حتي تحقق الكتب الفائدة المطلوبة منها (مقارنة بالمادة الإعلامية الصحفية السريعة). هناك أيضا دراسة أخري ظهرت في جريدة نيويورك تايمز تقول: إن الأشخاص الذين يقومون بمهام متعددة في نفس الوقت ولا يركزون علي مهمة واحدة لديهم قدرات أضعف في التركيز، بل إن أداءهم أقل في كل اختبار ذهني وعصبي مقارنة بمن يركزون علي مهمة واحدة. لا ذنب للكتاب الإلكتروني في هذا كله، فنحن في الحقيقة جزء من زمن مختلف، زمن يأتي بشلال من المشتتات الذهنية من كل شيء من حولنا، خاصة عندما نكون في حالة إنتاج عملي، وعلينا بطريقة أخري أن نجد طريقنا وننجح رغم ذلك كله. وبالنسبة للعرب، فقد تكون هذه الخاصية الاجتماعية الجديدة هي الحل لتشجيع الشعوب «التي لا تقرأ» علي القراءة..!