يحتل الزعيم الجليل مصطفي النحاس، المولود في الخامسة عشرة من يونيه سنة 1879، مكانة عظيمة في كتاب التاريخ الوطني المصري، فقد شارك في العمل الوطني مع النهضة التي بعثها مصطفي كامل، ثم انخرط في صفوف الثائرين سنة 1919، ونال ثقة الزعيم سعد زغلول بما أهله لأن يكون خليفته في زعامة الوفد والأمة، وعبر ربع قرن قدم النحاس لوطنه كثيرًا مما لا ينبغي نسيانه، ثم اعتزل السياسة مضطرًا في أعقاب ثورة 1919 ، وعاش سنواته الأخيرة فقيرًا علي المستوي المادي، واسع الثراء بنزاهته وإخلاصه وسلوكه الرفيع الذي لا تشوبه شبهة انحراف أو فساد. غاب الوفد طويلاً عن ساحة السياسة المصرية، ثم عاد بزعامة السياسي المخضرم الدءوب فؤاد سراج الدين، آخر الزعماء التاريخيين، للحزب العريق، وبعد رحيله لم يكن بد من تراجع ميراث الزعامة، والانتقال إلي مرحلة الرئاسة التي لا تحيطها هالات المجد والقداسة، وقد ضاق الوفديون بالدكتور نعمان جمعة فأطاحوا به، ثم دارت المنافسة قبل أسابيع قليلة بين محمود أباظة والسيد البدوي، وفي أجواء ديمقراطية بديعة جديرة بالتقدير، آثر الوفديون اختيار رئيس جديد لحزبهم، آملين في التجديد والحيوية وبعث النشاط، وتعديل المسار نحو الأفضل والأنضج. ما أجمل التوافق بين ميلاد النحاس والمراهنة علي ميلاد جديد لحزب الوفد، صاحب البصمة المؤثرة في التاريخ المصري، المسألة هنا لا تتعلق بالانتماء إلي أفكار الحزب أو معارضتها، لكنها تشير إلي احتياج الحياة السياسية المصرية إلي كل صاحب فكر وطني ورؤية مستنيرة، وإلي من يلتزمون بالشرعية، ويتمسكون بالدولة المدنية ويحاربون التطرف والإرهاب دعاة الردة، ويتشبثون بالليبرالية والمواطنة والوحدة الوطنية. قوة الوفد إضافة إلي الوطن، وتاريخ الزعيم مصطفي النحاس صفحة ناصعة البياض في سجل التاريخ المصري، والمأمول أن تبدأ انطلاقة للحزب تستلهم من سيرة زعيمه العملاق، وتبعث مبادئ وقيم ثورة 1919 ، وتواكب التحديث والتطور في واقع لا يعرف الجمود والثبات.