في كتاب يجمع مقالات الشاعر والكاتب والعالم والمصلح الكبير زكي مبارك (1891 - 1952) عن عاطفة الحب، أعدته ابنته كريمة زكي مبارك وحفيده عادل الشامي، تستوقفك عبارة «إن من يقرأ زكي مبارك يري الحياة وجها لوجه»، كتبتها ابنته لتوضيح سر الكتابة الجادة التي لم تفارق صاحب «التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق» حتي مع خفة ظله. زعيم وجداني المقالات والقصائد العاطفية عند زكي مبارك، والتي تعود إلي النصف الأول من القرن العشرين، تمتد إلي حب الوطن، أو الأماكن الجميلة في وطنه، مثل رمل الإسكندرية، كما كتب أيضا ل«جاردن سيتي» و«مصر الجديدة»، وكانت لغته سهلة عذبة متدفقة، حتي أن نقاداً كثيرين أطلقوا عليه «زعيم وجداني»، إلا أن زكي مبارك كان ينتهج الاتجاه الواقعي في معالجة موضوع الحب وفي تشريح عاطفة الحب، وكان من أنصار تلك الدعوة الجريئة في ممارسة الحب وفي التعبير الأدبي عنه، مثلما فعل ذلك إحسان عبد القدوس ونزار قباني. طبيب ليلي إلي جانب ذلك استطاع زكي مبارك، بشهادة نقاد وأدباء أيضا منهم علي الجارم، أن يجعل النثر أداة للغزل بحيث لم يعد مقصورا علي الشعر فقط، وكان مذهبه في الكتابة الوجدانية هو الأدب الصريح، أما من طرائف كتابات زكي مبارك فهي كتابه »ليلي المريضة» الذي تخيل فيه أنه الطبيب الذي أتي من مصر إلي العراق لمداواة ليلي محبوبته، وراحت بعد ذلك رسائل القراء والمعجبين تنهال علي زكي مبارك تدعوه لمداواة ليلي المريضة في فلسطين وفي السودان وفي الزمالك، وكانت أغلب ردود مسئولي المجلات التي كان زكي مبارك ينشر فيها علي القراء، بأن زكي مبارك ليس حكيما، بل أخذ لقب الدكتور لنبوغه في معالجة الأدب وليس في معالجة «المصارين». الهيام بالملوخية كتب زكي مبارك مرة: «إن شواغلي قد تجعل الحب آخر ما يشغل قلبي، ولكن حديثي عن الحب صار مذهبا أدبيا أشرح به ما يتعرض له الناس في ميادين النوازع والأهواء»، ويحكي الكتاب علي لسان حفيده، أنه ذات مرة قابل زكي مبارك الأستاذ مصطفي بك أمين وكان وقتها أحد كبار المفتشين السابقين بوزارة المعارف، فقال له أمين: «إنك يا دكتور تخلق جوا لطيفا بحديثك عن الحب»، فرد مبارك: «لم يبق لي من العشق غير الهيام بالملوخية الخضراء! فأنا في كتاباتي عن الحب أعبر عن عواطف قرائي وأعبر عن أهوائي، وهذه الكهولة تزعجني، فيجب أن أتصور أنني كنت شابا له صبوات وإنني كنت يوما من الغرام علي ميعاد».