سيظل الموقف العربي والإسلامي من الكيان الإسرائيلي معروفا، وموافقا لما يدعو إليه العقل والمنطق والإنسانية قبل المعطيات التاريخية والسياسية... وهو رفض الاحتلال والقمع والحصار والعنصرية الإسرائيلية ومساندة حق فلسطين والفلسطينيين في استرداد أرضهم والرجوع إليها والدفاع عنها. لكن قد يبدو الوضع ملتبسا في أوروبا وأمريكا حيث ينقل الإعلام الذي يسيطر عليه في الغالب موالين لإسرائيل، صورة مغايرة للواقع بل صورة مقلوبة تضع الضحية مكان الجاني. لهذا كان من الطبيعي عندما يتناول كاتب أوروبي مثل البلجيكي ميشيل كولون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن يطرح أسئلة قد تبدو لنا بديهية عن حقيقية إسرائيل وتاريخ الصراع وطبيعته. وميشيل كولون صحفي وكاتب ومحلل إعلامي بلجيكي، مهتم في كل كتاباته ومؤلفاته بالدور السياسي للإعلام خاصة في الحروب ، وله موقع شخصي نشط علي شبكة الإنترنت يتواصل من خلاله مع القراء. ويتحاور كولون من خلال كتابه "فلنتحدث عن إسرائيل" الذي صدر منذ أيام، مع 20 شخصية من المفكرين والكتاب والصحفيين الأوربيين والأمريكان، العرب والإسرائيليين، المسلمين واليهود، من بينهم الفيلسوف وعالم اللغة اليساري الأمريكي ناعوم تشومسكي، والمؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند، والداعية الإسلامي السويسري من أصل مصري طارق رمضان، والكاتب الفرنسي اليهودي المتخصص في الشرق الأوسط ألان جريش، والحاخام الفرنسي ماكس وارشفسكي، والكاتب الامريكي من أصل هندي المتخصص في الشئون الدولية فريد زكريا ، وعضو الكنيست الإسرائيلي عن الحزب الشيوعي إيلان بابيه، ودنيس سيفرت رئيس تحرير جريدة بوليتيس الفرنسية الأسبوعية المتخصصة في القضية الفلسطينية الإسرائيلية،و إيلان هاليفي ، العضو اليهودي في منظمة التحرير الفلسطينية.. ليجيبوا عن سؤال ما هو إسرائيل ولماذا نتحدث عنها وكيف؟ ويروي كولون أنه في بداية عمله في هذا الكتاب طلب من اثنين من مساعديه أن يجريا استطلاع رأي عشوائي مع المواطنين في شوارع إسرائيل يسألانهم فيه عما يعرفونه عن إسرائيل وتاريخها وطبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكانت الإجابات "كارثية" علي حد وصفه ، تنم عن جهل وتغييب كاملين ، لكنه نفي أن يكون ذلك محض صدفة ، فمنذ 60 عاما ووسائل الإعلام الأوروبي، التي من المفترض أنها الأفضل في العالم، تنقل لشعوبها الأخبار وبالرغم من ذلك مازالوا يجهلون الحقيقة، وهو ما يراه خطة ترويجية إسرائيلية مدروسة! ويدحض الكاتب بالأدلة ، مستعينا بآراء المتخصصين أكبر عشر "أكاذيب إعلامية" قامت عليها الدولة العبرية، أولها أن إسرائيل قامت لتكون ملجأ لليهود بعد مذابح النازي في الحرب العالمية الثانية، وهو ادعاء كاذب ، إذ إن إسرائيل مشروع استعماري يتم التخطيط له منذ عام 1897 وقت انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال. وأيضا الادعاء بأن اليهود باحتلالهم لفلسطين يعودون لأرضهم الأصلية التي طردوا منها منذ أكثر من 2000 عام ، وهو ما يؤكد كولون إنه أسطورة لا أساس تاريخياً لها فمنذ عام 1000 قبل الميلاد والشعب الفلسطيني يعيش في هذه الأرض. ويرد كذلك علي الادعاءات بأن أرض فلسطين كانت صحراء لا يسكنها إلا بعض الرعاة ، أو أن الفلسطينيين هم أنفسهم من رحلوا وباعوا أراضيهم والتي نفاها مؤرخون إسرائيليون مؤكدين أن الفلسطينيين تعرضوا لحملات منهجية غير مسبوقة من القتل والإرهاب والتخويف لإخراجهم من أرضهم قتل خلالها الآلاف من الأبرياء. ومن بين هذه الأكاذيب أيضا، أكذوبة أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ودعمها يعتبر دعما لقيمة الديمقراطية وسيادة القانون, بينما هي في الواقع دولة توسعية استيطانية ، لا توجد مواد في دستورها تحدد مساحتها، وعنصرية متعصبة تفتخر بأنها "دولة اليهود" وكل من دونهم هم مواطنون من الدرجة الثانية! وغيرها من الأكاذيب التي باتت بالنسبة للمواطن الأوروبي والغربي حقائق مطلقة لا جدال فيها يوضح الكتاب زيفها وعدم توفقها مع أبسط قواعد المنطق والإنسانية. ويؤكد كولون في ختام كتابه- الذي حرص أن يكون عملا عقلانيا متوازنا لا يهدف إلا لكشف الحقيقة- أن فلسطين هي مقياس للوضع العالمي، وأن احتدام الصراع في الشرق الأوسط لا يعني أن باقي العالم في أمان لذا فإن التوصل إلي سلام يرضي جميع الأطراف ليس في مصلحة الفلسطينيين فقط الذين وقعوا ضحية لظلم تاريخي يجب أن يرفع عنهم، بل في صالح يهود إسرائيل ويهود العالم أجمع الذين سيظلون موصومين بدعم الاستعمار العنصري وجرائم الحرب. وبالتأكيد في صالح مواطني أوروبا وأمريكا التي تستخدم أموالهم لتمويل الحرب الدائرة في المنطقة!