عند قراءتها تجد نفسك أمام كاتبة مسكونة بالجميل ذات خط متفرد، تعد كتاباتها ثورة علي النمطية، إنها الكاتبة والأكاديمية هاديا إحسان، تتداخل في الكتابة لديها القصصي بالشعري، والهموم الفردية بالهموم الجماعية، جمعت بين الإبداع والنقد والعمل الأكاديمي، حصلت علي الدكتوراه في الأدب العربي بمرتبة الشرف من جامعة حلوان عام 2001، وتعمل استاذة للنقد والادب العربي الحديث بجامعة بيروت، لها عدة كتب نقدية وأعمال أدبية كان آخرها مجموعة قصصية بعنوان: "عذراء الكويت .. وقلب نزار"، "روزاليوسف" التقتها وكان هذا الحوار: "عذراء الكويت .. قلب نزار" عنوان مجموعتك القصصية الأخيرة حدثينا عنها؟ كتبت هذا المجموعة أثناء اقامتي في الكويت للتدريس هناك، وقد تزامن ذلك مع الغزو العراقي الغاشم، وقام جنوده بأعمال السلب والنهب وانتهاك الحرمات، وعذراء الكويت قصة حقيقية كتبت عنها الصحف الكويتية، وملخصها أن مجموعة من الجنود العراقيين قاموا بخطف فتاة وتناوبوا علي اغتصابها بمنتهي الوحشية، ولكن زوجة أخيها العراقية أنقذتها من أيديهم، وقتلت أحد الجنود العراقيين، وأنا في هذه القصة أنطلق من الوجع للعمل علي إزالة التوتر والفتنة بين الشعبين الشقيقين العراقي والكويتي، كما عرجت علي ويلات الحرب في لبنان والعراق وخطر الطائفية في البلدين. "قلب نزار" هو بقية العنوان .. من نزار المقصود هنا؟ بالمصادفة وأثناء إرسال الكتاب إلي المطبعة عرفت أن الشاعر الكبير الراحل نزار قباني مريض، وتم نقله إلي المستشفي في لندن، وفي لحظة معينة قلت لهم: توقفوا عن الطباعة، ووجدت نفسي أتحدث بلا وعي عن نزار بلسانه، وجاءت هذه القصص علي لسان نزار قباني. الأزمنة والأمكنة والشخوص مكونات النص كيف تتواصلين معها في نصوصك؟ - أعتقد أن الزمن كمفهوم فلسفي عام هو الهاجس الأكثر حضورا والتباسا في وعي المثقف العربي المعاصر عموما، بما يمثله هذا المفهوم من قيم، وما يحمله من دلالات، وما تعكسه حركته الفاعلة من تحديات لا تزال تفرض شروطها وتطرح رهاناتها علي واقع هذا المثقف ومرجعياته، بل رؤاه ونتاجاته علي حد سواء، الأزمنة تفلت وتتلاشي، فيما تتكاثف الأمكنة إلي حد خانق جدا، لو سألت أي سجين عن علاقته بالأزمنة والأمكنة ستدرك أن أصابعه تنبش في الذاكرة، ولا تطال أي أزمنة خارجها، فيما تتطاول الجدران، والأمكنة والحصون والمدن وتضيق، ستعرف أن المثقف العربي إجمالا هو مثقف المكان، وإن حدث فهو فارس الأزمنة الغائبة، الزمن الماضي، زمن الموتي الماثلين في صباحاتنا، زمن الشعارات والعشائر. الشخوص هم الذين نحكي عنهم، هم شخوص سمتهم المواربة، أتعمد تأسيس ذوات موازية أشيع عبر صوتها محمولات هواجسي وهمومي وكبتي التاريخي الطويل، أما المدن فمقفلة جافية تماما عني، أتحرك وسط المجموع بكل هذا الثقل غير الحميم، أحاول استشراف أزمنتي وأمكنتي وشخوصي الأخري، ويستعصي كل هذا لأنني أنا. لماذا غامرت بكتابة القصة رغم أننا في زمن الرواية؟ - الفنان حين يكتب، فإن ظروف الكتابة هي التي تملي عليه ما يكتب، لا يقول أريد أن أكتب مقالة أو قصة أو رواية، يجد الإلهام والإبداع نابعا من ذاته ونفسه ومشاعره وأحاسيسه، فهو لا يحسبها بالورقة والقلم، كأنه يريد القيام بعملية حسابية، ولكن ما يشعر به يضعه علي الورق. ألم يتراجع فن القصة القصيرة في لبنان أمام الرواية؟ - غيرصحيح، فهذه شائعات يروج لها بعض الروائيين والناشرين، الذين يرفضون نشر القصة القصيرة، وحجتهم في ذلك أنها غير مربحة اقتصاديا وتجاريا، لكني أري العكس، ويفترض أن تكون القصة القصيرة هي ديوان العصر المتسارع، والقصة هي الجنس الأدبي الأكثر ملاءمة له، لتسود نظرا لضيق الوقت المسموح بالقراءة فيه. ماذا تمثل لك الكتابة؟ - الكتابة بالنسبة لي هي السبيل لأحقق توازني الداخلي، لأن أري الأشياء والأحداث من زاويتي الخاصة، وأعيد خلقها برؤيتي الخاصة أيضا، وكما يليق بالكتابة التي هي ذلك الحيز الذي أستطيع أن أكون فيه أقرب إلي نفسي علي تعددها. إلي أي مدي يشغلك الإنسان؟ - حسب المعطيات العلمية الانسان هو الكائن الوحيد المتمتع بملكة الإدراك والوعي، وبدونه تنعدم ملامسة كنه الكون والوجود، وهذا ما يجعله يمثل بامتياز أوج التطور الكوني، أن يمتلك الضمير أليست هذه معجزة كونية؟ أيمكن تصور الكون بدون هذا الإنسان؟ بالمقابل حين نري الإنسان يوظف طاقاته في الحسد والحقد والإساءة والتناحر والعنصرية والحروب والخراب والتدمير، السلطة، نزعة التملك المتزاوجة أبدا مع الخوف من فقدان ما يملك، ندرك هول العبودية التي يرزح تحتها. هل تري المبدعة داخلك أملا في إيجاد فردوس أرضي يتعايش فيه البشر؟ - الصورة قاتمة ضمن معطيات عصرنا الذي يتفاقم سوءا، وما نراه علي أرض الواقع من إفقار يتسارع لمجتمعات بكاملها، وإبادة لمجتمعات أخري، ونهب للشعوب، وإهدار كرامة الإنسان كقيمة، وتحويله إلي رقم استهلاكي أو إنتاجي أو سلعة تباع وتشتري، وجعله يصدق ذلك، يجعلني متشائمة إلي حد كبير علي مستقبل الإنسان، حتي قاموسنا البشري تم تحريفه، وأخشي أن نغرق أكثر وأكثر في بحر تلك الأمية المفجعة، ولكن رغم كل شيء، يبقي الإنسان كجوهر وبارقة لأمل يمكن أن يتحقق ولو علي المدي البعيد. أين تقف طموحاتك؟ - لدي قدر كبير من الإصرار والتحدي، فبعد إحالتي للتقاعد أكملت دراستي وحصلت علي الدكتوراه، ولا يزال لدي طموحات كثيرة أريد أن أحققها قبل وصولي سن السبعين، ولا غرو في ذلك، فالكاتب الكبير بورخيس تعلم الاسكتلندية وعمره 72 عاما، وأعتقد أن ممارسة الإبداع تطيل العمر وتزيل صدأ المخ. كتبت دراسة عن "البطل في روايات ميخائيل نعيمة" كيف رأيتي ملامح هذا البطل؟ - البطل عن ميخائيل نعيمة ليس واحدا ولكنه متطور ونامي، يعبر عن شخصية السارد بشكل من الأشكل، بطل هجر وطنه إلي عالم جديد ومغاير، وفي البداية عاني الاغتراب والاستلاب ووقع في نوع من الحيرة والصراع النفسي لكن في روايته الأخيرة "يا ابن آدم" نجد البطل وقد استقر نفسيا وعرف طريقه واختار التصوف والبعد عن المدنية واتصف بالسمو الروحي تقرب من الله.