إشكاليات كثيرة يثيرها كتاب «العالم متمردًا» من تأليف الكاتب فريمان دايسون، والصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية ومشروع كلمة الإماراتي، فهو لا يغرق في تفصيلات علمية تهم العلماء والباحثين فقط، بل اهتم بالجانب الإنساني في العلم، والمشكلات التي أرقت بعض العلماء، وحياة هؤلاء العلماء وتأثيرهم في محيطهم الاجتماعي، وكيف أن الخيال أساس كل اكتشاف علمي، أما الإشكالية الأهم التي يثيرها هذا الكتاب المهم ، فهي العلاقة بين العلم والأدب ، فالعلماء يبدون غارقين في عالمهم وتجاربهم ومشكلاتهم التقنية، يعرفون ما يجري علي صعيد الأدب، كما أن الأدباء يفعلون الشيء ذاته، وكلاهما يحمل فكرة خاطئة عن الآخر، فالأديب يري العالم جاف المشاعر منزوع العاطفة، والعالم ينظر إلي الأديب علي أنه كائن عاطفي غارق في مشاعر خائبة رومانسية ومثالية يهرب من واقعة بالإغراق في الخيال ولا يقدِّم شيئًا مفيدًا للبشرية غير التسلية .. هذه مشكلة تبدو بلا حل ، لكن الكتاب يثبت العكس فالعلم استفاد من خيال الأدباء ، والعلماء ينجزون أكثر إذا قرأوا الأدب ، وبالعكس الأدباء يصبح أدبهم أكثر خبرة بالحياة وبالنفس البشرية التي يزعمون أنهم يفهمونها ، عندما يعرفون طرفًا من العلم . أما الإشكالية الثالثة فهي كيف يتم الكتابة عن العلم في الصحف والمجلات ، فأغلب فصول هذا الكتاب نشرت في مجلة متخصصة في عروض الكتب ، لكن حينما قرأها القراء لم يشعروا بالملل أو الجفاف فقد تم تقديمها بطريقة جذّابة تناسب جميع الأذواق المتخصص والقارئ العالم . تنقسم مجموعة المقالات التي يضمها الكتاب إلي أربعة أقسام وفقًا لموضوعها ، ومرتبة زمنيًا داخل كل قسم ، يتناول القسم الأول القضايا السياسية الناجمة عن العلم والتكنولوجيا ، ويهتم القسم الثاني بمشاكل الحرب والسلام ، والثالث تاريخ العلم ، أما القسم الرابع ففيه تأملات شخصية وفلسفية وهناك ثلاثة فصول أخري مأخوذة عن كتاب سابق للمؤلف بعنوان : «الأسلحة والأمل»، ذلك الكتاب الذي تم إهماله لأنه صدر وقت انهيار الاتحاد السوفييتي ومن هذه المقالات سمي المؤلف كتابه الحالي: العالم متمردًا . وهو في أربعة أقسام كبري وتحتها عناوين فصول مثل : قوة العقل ، العالم واللحم والشيطان ، هل وجود الله محل اختبار ، هذا الجانب من الحب الأعمي ، والدين من الخارج . كما خصص المؤلف ثلاثة فصول الأستاذة ريتشارد فاينمان العالم الذي اجتمعت فيه صفات التفاني في العلم والروح المرحة ، إنه العالم الذي يصف ببلاغة فائقة دور التمرد في مجال العلم ، ولعل أهم فصول الكتاب المعنون : هل وجود الله محل اختبار أن يوضح إحدي أهم الإشكاليات التي جري النقاش بشأنها طويلاً بين رجال الدين والعلماء.