منذ أن بدأت رحلتها مع السينما طفلة، في فيلم «يوم سعيد» الذي قام ببطولته محمد عبدالوهاب، 1940، وإلي اليوم حيث تحتفل بعيد ميلادها التاسع والسبعين، تمثل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة صفحة ناصعة البياض في تاريخ الفن المصري، فهي الفنانة القديرة التي جعلت من كلمة الممثلة مرادفا لكلمات جليلة مثل الاحترام والالتزام والجدية والصدق، وهي التي - لذلك كله - تحتفظ في قلوب الملايين بمكانة سامية لا تعرف الذبول ولا يطولها الترهل. قد تختفي فاتن حمامة عن الشاشة لسنوات، ثم تعود كأنها لم تغب يوما واحدا. وقد يطول احتجابها فلا تقدم جديدا في السنوات الأخيرة، لكنها تبقي حاضرة بتراثها الممتد الذي يبدو علي الدوام طازجا ومعاصرا، فلا يشعر المشاهدون إلا بالامتنان والعرفان للموهبة التي لا تقدم إلا الجاد والجيد، وتحرص علي القيمة الحقيقية العابرة لزمن الانتاج والعرض الأول، ولأن الأستاذة فاتن تتشبث، مع فريق العمل بالحرص علي الاتقان في جميع التفاصيل والجزئيات، فإن الحصيلة المنطقية تتمثل في جملة من الدروس التي يفيد منها كل راغب في التواصل مع الإبداع المحترم. فاتن حمامة مدرسة متفردة في الأداء والتعبير، ولها خصوصيتها وملامحها. صحيح أن الحياة تتسع لاتجاهات واجتهادات أخري، وأن التاريخ السينمائي المصري حافل بالممثلات البارعات المتفوقات عبر مناهج مختلفة، لكن الأستاذة التي بدأت مع نهاية الثلاثينيات في القرن العشرين، بمثابة المصدر والمنبع الذي يرتوي منه الجميع، ثم يبحث كل عن الدرب الذي يناسبه. كم تخسر السينما المصرية عندما تجد مثل هذا الكنز الثمين فلا تحصل علي بعض خيراته، وعطاياه، ولا شك أن نجمة مثل فاتن ستبدع في أداء الأدوار التي تناسب عمرها، فمتي ينتبه الكتاب إلي أهمية التطرق لما يناسب هذا الجيل؟، ومتي يقتنع المنتجون، والمخرجون إلي أهمية الاستعانة بالأفذاذ الذين لا نملك إلا القليل منهم؟!. اليقين الراسخ أن فاتن حمامة لا تحتاج إلي العمل إلا بحثا عن الرسالة، والحقيقة المؤكدة أيضا أن وجودها ضرورة لإثراء الساحة وتجديد دمائها.