النيل الذي تجري الحياة لنا من خلاله كان شاهدًا علي لقاء مثمر استمر أربعة أيام بين الأقصر وأسوان، نظمه الدكتور القس ثروت قادس الرائد في مجال الحوار الإسلامي المسيحي ورئيس مجلس الحوار بسنودس النيل الإنجيلي بمشاركة من قساوسة وشيوخ من وزارة الأوقاف وألمان وأمريكان وهولنديين. فكان حوارًا إسلاميا. مسيحيا عالميا وإنسانيا غلفته مشاعر الألفة والحب. وكان من الرائع أن يشارك الشيوخ في حضور الصلاة بالكنيسة الإنجيلية بالأقصر. اللقاء تضمن عددًا كبيرًا من المحاضرات القيمة والتي عبرت عن أفكار عظيمة حول العيش المشترك. وقد بذل الدكتور القس ثروت قادس جهدًا خرافيا في تحقيق النجاح للقاء من خلال تجميع كل هؤلاء العلماء، وكذلك قام بدور المترجم دون كلل ولا ملل من الألمانية والإنجليزية وإليهما. لوثر والإسلام بدأت المحاضرات بالدكتور محمد أبو حطب مؤسس قسم اللغة الألمانية بجامعة الأزهر الذي تحدث عن «مارتن لوثر والإسلام» قائلاً: ترجع علاقتي ب«لوثر» عندما كنت أدرس اللغة الألمانية بجامعة ميونيخ عام 1964 وكتبت رسالة الدبلومة بعنوان «تأملات في الشخصية الألمانية علي مر العصور» وكان «مارتن لوثر» من الشخصيات التي حازت إعجابي لصدقه وشجاعته، وأري أنه يمثل من وجهة نظري إحدي عجائب التاريخ الألماني كراهب بسيط متواضع استطاع أن يغير صورة قارة بأكملها.. وأثر في قوله «لو علمت أن العالم سوف ينتهي غدًا فسوف أستمر في زراعة شجرة التفاح» لأنها تفكرني بحديث عن الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - يقول «إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها». ولقد تعجبت كثيرًا لأن كل الكتب التي أصدرها قساوسة إنجيليون عن مارتن لوثر لم تذكر من قريب أو بعيد علاقة لوثر بالإسلام فاتجهت للأبحاث الأوروبية، حيث أظهرت لي أن لوثر في العشر سنوات الأخيرة من حياته كان شغله الشاغل هو الإسلام. ويضيف الدكتور أبو حطب: لذلك شعرت بحاجة ماسة لمعرفة المواطن العربي بهذا الرجل، لذلك قمت بتأليف الكتاب باللغة العربية بعد أن قدمت نسخة مختلفة منه باللغة الألمانية. وأريد أن أقول أن لوثر أوقف مبدأ الرهبنة وعارض واسطة الكهوت وهي أفكار نادي بها الإسلام. التعددية والأديان وتحدث الدكتور «هوت» المحاضر الألماني عن التعددية والأديان، مؤكدًا أن عدم إيمان الناس جميعًا بدين واحد هو أمر إلهي، فلابد إذن ألا يدعي أحد أنه صاحب الحق المطلق بل يكون الحق للجميع، وأشار دكتور هوت إلي أن مواطن القوة في مجال التعددية الدينية هي التسامح والعيش المشترك. الخطاب الديني وحول «تجديد الخطاب الديني في الإسلام» تحدث الشيخ أحمد تركي إمام مسجد النور بالعباسية فقال: إن أهمية الخطاب الديني باسم الإسلام بكونه يصدر للمسلمين ولغيرهم. والدين ثابت، أما الواقع فمتغير وكلما تغير الواقع كان لابد من تجديد الأساليب والتجديد دعوة قرآنية، فالخطاب المكي غير الخطاب المدني، والإسلام يتكون من عقيدة وشريعة وأخلاق. العقيدة ليس فيها تجديد ولكن الوسائل التي يمكن أن نفهم بها الناس العقائد يمكن تجديدها، والأصول في الشرائع ثابتة. أما الفروع فيمكن التجديد فيها. أما الأخلاق فالقيم ثابتة المتغير في الفكر القيمي كيف نطبقها فالتجديد هنا لإعادة اكتشاف مفاهيم الأخلاق، وأضاف الشيخ أحمد: عندما أعدت قراءة الأحاديث النبوية التي تدور حول العطاء كان مفهومي أن أخاطب الأغنياء لمعونة الفقراء، أخاطب الأقوياء لرحمة الضعفاء، بعد القراءة خرجت بالإجابة عن سؤال كان يلح علي وهو: من يحتاج لمن؟ واكتشفت أن حاجة الغني إلي الفقير أشد من حاجة الفقير للغني! وأشار الشيخ أحمد أن لوزارة الأوقاف باعًا كبيرًا في قضية تجديد البحث والدعوة الإسلامية. لا تتكلم عني وتحدث الدكتور أحمد أبو سيف بإدارة الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف قائلا أن ملاحظته الأساسية حول الحوار الإسلامي المسيحي هي أن المطلوب ألا تتكلم عني بل تكلم معي. وأكد أنه استفاد كثيرًا عندما ذهب إلي أمريكا ووجد نفسه هناك ضمن الأقلية المسلمة فهذا جعله يفكر في وضع الأقليات وكيف من الضروري أن يضع الإنسان نفسه محله لكي يدرك طريقة تفكيرهم ومطالبهم. وأكد الدكتور رضا مطاوع من إدارة متابعة الفكر بوزارة الأوقاف أهمية التجديد والاحتفاء بالعقليات التنويرية مثل الإمام أبو حنيفة، وأشار إلي أن المسلمين يقدرون احتضان المسيحيين للإسلام في أيامه الأولي بالحبشة. وقال: لماذا لا نتحاور وقد مات آباؤنا معاً في كل الحروب وأرض سيناء يستحيل فيها تفريق قبر المسلم عن المسيحي. وقال الدكتور إمام الخضراوي إمام مسجد الإمام بمكرم عبيد إنه من المهم الخروج من اللقاء بورقة عمل واضحة تحدد المصطلحات الغامضة علي الجانبين لتسهيل الحوار، كما أكد الدكتور إمام أهمية توظيف الحوار من المنطلق الإنساني العام. الإيمان والأعمال وألقي البروفيسور «إدمون فيبا» أستاذ الأديان بجامعات ألمانيا منذ عام 1973 محاضرة حول «الإيمان والأعمال في الأديان الإبراهيمية» فقال إن الأديان الخمسة الكبري في العالم هي الهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية والإسلام وأن الأديان الإبراهيمية المنسوبة للنبي إبراهيم تقوم علي الإيمان، فالله قد اختار إبراهيم لإيمانه بالله ولأنه صدقه. كما أن العهد الجديد يؤكد علي ذلك ويوضح بولس الرسول في رسالة «رومية» إلي أن الخلاص معتمد علي نعمة. وكذلك الآيات القرانية تعلم أن أتباع إبراهيم هم الذين يؤمنون. لذلك تشترك الأديان الثلاثة في الاعتماد علي الإيمان والغفران من عند الله وبرحمته والذي ينعم علي الإنسان بالخلاص لأن الإنسان عاجز أن يخلص نفسه. أما محاضرة الدكتور «مارك نيجرد» الأمريكي الجنسية وأستاذ اللاهوت النظامي بكلية اللاهوت الإنجيلية بالعباسية. فقد أثار جدل كبيرًا ورفضًا من الحضور. حيث اقترح فكرة تدعو للذوبان وعدم الاعتراف بالهوية الدينية أمام الآخر المختلف. مما جعل الحضور يؤكدون أن الحوار للتعددية واحترام الآخر وليس للذوبان أو جعله نسخة من الآخر. وتحدث الدكتور «وليام» الهولندي الجنسية وأستاذ الكتاب المقدس بكلية اللاهوت حول «الشهادة الحقيقية لله» من خلال الحديث مع اللادينيين والملحدين لكي يعيش الجميع في سلام. وتحدث القس محسن منير الراعي الشريك بالكنيسة الإنجيلية بأسيوط حول خطوات الحوار فقال إنه لابد أن يكون حوارًا جادًا نابعًا عن فهم عميق واحترام صادق مما يؤدي إلي قبول حقيقي رغم الاختلاف. ثم ألقي محاضرة عن «حقوق الإنسان في الخطاب الديني» أكد فيها أن حقوق الإنسان موضوع مشترك في جميع الأديان والوعظ بها ونشرها يعطي مظلة رائعة للعيش بسلام في ظل التنوع. اللقاء شهد العديد من المداخلات المفيدة وتبادل القساوسة والشيوخ الأسئلة والاستفسارات حول عدد من القضايا والمصطلحات الغامضة.. وختم بحضور حفلة للفلكلور النوبي.