أعتقد أن جميعنا يلحظ أنه عند حدوث أي توتر طائفي أو عند الاحتفال بالمناسبات الدينية وبعض المناسبات الوطنية.. دائماً ما نستدعي بعض المفردات علي غرار: الوحدة الوطنية والنسيج الوطني والإنجيل يعانق القرآن.. وهي في تقديري كلمات تصنف ضمن شعارات الاستهلاك السياسي التي لا نجد لها صدي حقيقيا في الشارع بين المواطنين المصريين الآن. والجديد فيما أكتبه اليوم أنني أعتقد أن ما سبق يندرج علي أشهر شعار ضمن شعارات الاستهلاك السياسي وهو شعار (الهلال مع الصليب). وهي كلها في تقديري شعارات لا تتناسب مع (الظرف) الحالي. إن الشعارات السابقة خاصة شعار (الهلال مع الصليب) هو شعار ثورة 1919، ولقد ظهر نتيجة الحاجة للتصدي لأحد أهداف الاستعمار بضرب العلاقات المسيحية الإسلامية بين أبناء الوطن الواحد. وهو السياق التاريخي الذي لم يعد قائماً الآن.. ويمثل استدعاؤه حالة من فرض ملامح الدولة الدينية. لا أتجاوز إن كتبت أن ترديد شعار (الهلال مع الصليب) وترويجه في مواجهة الأزمات والتوترات الطائفية هو نوع من تكريس الطائفية البغيضة بشكل جديد.. علي اعتبار أن ترديد مثل تلك الشعارات هو نوع من الاستدعاء للدولة الدينية، وليس - كما يعتقد البعض - تأكيدًا للوحدة الوطنية بين أبناء مصر. إن محاولة تجاوز الأزمات بالحديث عن (الهلال مع الصليب) هو تقديم الحل الديني لأزمات المجتمع، وهو ما أصبحنا نجده عند شيوخ الستالايت وكهنته، وعند بعض الدعاة الجدد ووعاظ المنازل، ولدي المؤسسة الدينية نفسها التي تنفي دائماً كونها أحد أسباب تلك الأزمات الطائفية. كما نجده أيضاً عند شيوخ الحسبة وكهنتها الذين يتعاملون بمنطق فرض قواعد الدولة الدينية علي كل من يفكر أو يختلف مع توجهاتهم وأفكارهم في خلط بين الثوابت العقيدية والإيمانية وبين فرض هيمنتهم الدينية علي المجتمع. لا يمكن بأي حال أن تكون الدولة الدينية هي الحل.. لأنها علي النقيض من دول المواطنة التي تعتمد علي مؤسساتها في إدارة شئون الدولة، كما أن الدولة الدينية دولة نصوص يتم تفسيرها حسب توجهات رجال الدين، ولا تعتمد علي النصوص القانونية التي لا تميز بين المواطنين. لم نعد نسمع من يقول البلد أو الوطن أو مصر أو النيل. وأصبحنا نسمع من يقول الدين والمؤسسة الدينية والكنيسة والأزهر والقسيس والشيخ. إنها مفردات نكررها بدون وعي حتي أصبحت هي مفردات الوعي العام الرئيسية للمجتمع لدرجة أن تحول المنتخب القومي الذي يلعب كرة القدم التي لا علاقة له نهائياً بالدين إلي منتخب الساجدين.. في إشارة إلي أن الدين هو عامل النجاح، وليس التدريب والتفوق والتميز والاقتدار. إنها حالة من تغييب العقل المصري في مواجهة نشر مفردات الخرافة التي تتخذ الدين ستاراً لتضفي علي نفسها وعلي من يروج لها تلك الشرعية المفقودة.