مايلفت النظر حتّي الآن في الدكتور أحمد زكي بدر منذ أن تولّي وزارة التربية والتعليم هو إثارته للجدل ! إقالات وإحالات للتحقيق، وعقوبات ميدانية في زيارات مفاجئة، تعيد إلي الأذهان المبادرات الفردية في الإصلاح.. قام بها الكثيرون في ميادين شتّي من قبل، فإذا راحوا لأي سبب، عادت ريما لعادتها القديمة! وأي مكان آخر في مجالات الخدمة يمكن أن يستفيد منه النّاس مؤقّتا من وجود من هو مثل أحمد زكي بدر إلاّ التعليم! فهو بشكل أساسي يمكن ويجب أن يكون نقطة انطلاق لإصلاح كلّ مانعاني منه لتحقيق مجتمع متعدّد ديموقراطي. وفي إطار أن ّ التعليم قد أصبح أهمّ وسائل التطوّر الاجتماعي، فأي خاطر دفع بفكرة أن تكون التربية الأخلاقية مادّة مقرّرة في مدارسنا تسابق في التعديلات المطلوبة لتطوير نظام التعليم في مصر؟ لقد فكّرنا في تغيير المناهج وتطويرها ومنها بالتأكيد مادّة التربية الدينية في مجتمع يحتاج إلي التسامح وتجري فيه جهود مضنية لصدّ موجات طارئة من التعصّب! فكّرنا في نظم الامتحانات، فكّرنا في التلقين، فكّرنا في المعلّم، وكان علينا أن نستمع إلي ما دعت إليه اليونسكو حول مشروعها لتعليم «الفهم».. أمّا الأخلاقيات، فمن بين الملاحظات المألوفة قديما وحديثاٍٍٍٍٍٍ أنّ الأخلاق استمرّت ديالوجا أو ملتيلوجا إذا شئت مع الآخرين حول أشياء متغيرة أبدا لايمكن أن يحدّها منهج دراسي أو يحسمها امتحان. والموضوع رغم ثقتي في هموم الوزير فيما يتعلّق بقضايا التعليم تبدو حيرته وتقلّباته واضحة في التصدّي لها، يثير الكوميديا بأكثر ما يثير الجدّ !نختصر الهزل في سؤال: هل يصبح أكثرنا أخلاقا من يحصل علي ممتاز في امتحان التربية الأخلاقية التي يعدّ معالي الوزيرلتقريرها علي التلاميذ في مدارسنا؟ لم يعد الوعظ الديني الذي لايهمد في بلادنا وينتشر علي شاشاتنا كافيا، ولم نجد فائدة في الإرشادات التي كانت تسجّل علي جلود الكرّاسات في الزمان الغابر حول فضائل الأخلاق والعادات. ولا تخلو بيوتنا من الكتب المقدّسة التي نزلت بمكارم الأخلاق ،وما عليك إلاّ أن ترتاد المكتبات لتجد أرففها مزدحمة بكتب أخلاقيات الماضي والحاضر، ولا ينقص بيوتنا الآباء والأمّهات ولامدارسنا المعلّمون والمعلّمات الذين يعرفون كيف يرشدوننا لنقوم باختياراتنا الأخلاقية. فإذا أطرقت قليلا تفكّر فستري حقيقة هذا العالم الذي نعيش فيه، لايوجد أكثر من الحثّ علي الأخلاق! علي أنّ معضلة التربية الأخلاقية تؤرّق عالم اليوم بالفعل،والذي تناقش كتبه ومقالاته وأبحاثه وعلومه حول أفضل الأخلاق التي نحتاج منها الكثير في عصر الجينات والبيومعلومات والكمبيوتر والانترنتّ. وحيث المعرفة تتحدّث في عصرنا عن عالم خارجي للأخلاقيات، وآخر داخل الإنسان ذلك المجهول الذي لم نتنبّه إلي ارتياده إلاّ في المائة سنة الأخيرة .ثمّة الكثير ممّا يحتاجه تطوير التعليم في بلادنا ليربّينا علي التحاور مع الماضي ومع المعلومات المتغيرة أبدا، نراجع دوريا معلوماتنا وافتراضاتنا. وفي العقود الحالية أخذ عدد محدود من العلماء علي عاتقهم مهمّة تعضيد البحث عن "الكأس المقدّسة" التي يشرب منها الإنسان فيما يشرب تربيته الأخلاقية! تهدف الأبحاث إلي تحسين جنس الإنسان عن طريق معالجة وراثته البيولوجية، تحسين سلالة الإنسان بالتخلّص ممّا يسمّي صفاته غير المرغوبة وإكثار وتدعيم صفاته المرغوبة! وأصبح اختيار الخصائص البشرية اتجاها يغمر العالم، وانفتحت الآفاق أن يربّي الإنسان للصدق والبرّ والحلم والعطف، كمايربّي للون الشعر ولون العينين! وظهر في جريدة نيويوركر رسم كاريكاتوري يظهر مركزا للفحص في ممرّ بشارع مزدحم، يختبر الروائح الكريهة، والمخدّرات والذكاء والكليسترول والإجهاد والإخلاص والكذب وفرامل السيارة.. كلّها أشياء أمكن اختزالها إلي أجزاء تفحص وتقيم ،إمكانية اكتشاف الحقيقة وراء المظهر،اكتشاف الأوضاع المستترة الصامتة أو المنبئة بمشاكل محتملة في المستقبل! وقيل أنّ الخريطة الجينية ستكون من أوراق الترشيح للمناصب الرفيعة فيستبعد الذين بخريطتهم جينات سيئة حتّي يقوموا بمعالجتها أو استبدالها. هذا هو التحدّي الجدير بالتفكير فيه والانشغال بكيف يتغلغل في تعليمنا،لاتضييع الوقت واستنفاده في البحث عن منهج للتربية الأخلاقية، نبدّد الجهد والمال وعقول تلامذتنا في المستهلك والمستنفد!