في سورة الكهف حوار بديع بين موسي والخضر علي نبينا وعليهما السلام، هذا الحوار يجب أن يتم تدريسه لكل طالب علم، ويجب أن يكون حريصاً علي اتباع مناهجه وارشاداته كل من يريد أن يرتقي، وكل من يريد أن يحمل لقب " عالم".. وبدون هذه الإرشادات المتضمنة في هذا الحوار يصبح كل جهد مبذول غير ذي فائدة، ويصبح المرء كمن يحرث في البحر، أو كمن أشار الرسول إليه بأنه " لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقي"!!! في سورة الكهف، تقديم لقصة موسي ورغبته في لقاء الخضر، بعد أن أوحي الله بذلك إليه.. وبيان لحجم الجهد العضلي والنفسي المطلوب لتلقي العلم.. لم يشأ الله أن يكون اللقاء قريباً من موسي.. بل كان علي موسي أولاً، وهو النبي المرسل، وهو كليمه ومن خصه بالحوار، أن يمشي حتي يبلغ به النصب والتعب مداه، وأن يجوع حتي يبلغ به الجوع غايته بحيث لا يستطيع معه إكمال المسيرة، وهو ذلك الرجل الذي تشير القصص إلي أنه قطع قبل هذه الرحلة أكثر من ثمانمائة كيلومتر سيراً علي الأقدام من مصر إلي مدين في رحلة هروبه الأولي من فرعون... كان الله قادراً علي أن يجعل المكان قريباً، واللقاء سريعاً، وكان قادراً علي أن يأتي بالخضر إلي موسي، ولكن كيف يستشعر الإنسان حلاوة الشيء القريب السهل ؟ لابد من التعب والنصب، ولابد من التهيئة النفسية اللازمة " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً". وفي حوار موسي مع الخضر عليهما السلام، كانت هناك مباراة رائعة في التوجيه التربوي بين الأستاذ والتلميذ.. يقول موسي متأدباً ومتلطفاً "هل اتبعك علي أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً"، ولا يتعجل الخضر الإجابة، بل يلقنه الدرس الأول عندما رفض إجابة طلبه أولاً متعللاً بعدم قدرة موسي علي الصبر " وكيف تصبر علي ما لم تحط به خبراً ؟"، فالعلم من وجهة نظر الخضر عليه السلام يحتاج إلي صبر، ويري أن هذا الصبر أكبر مما قد يتحمله أو يقدر عليه واحد من أولي العزم من الرسل !! وهنا تكون إجابة موسي الرائعة، موسي الحريص علي التعلم يرد علي الخضر بالتعهد بالصبر، إضافة إلي شرط إضافي وهو الطاعة التامة " ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً".. وهنا يبلغ التفاوض مداه، إذ يضيف الخضر شرطاً إضافياً آخر، آمراً موسي بتنفيذه وإلا يتم إلغاء المنحة الدراسية، ويتم فصل التلميذ من مدرسة العلم اللُدني، وهذا الشرط هو عدم السؤال إلا بإذن " إن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتي أحدث لك منه ذكرا".. ومما سبق نستخلص بعض المباديء الرئيسية في التعلم، وهي: التواضع، فلا يوجد كبير علي العلم حتي ولو كان هو النبي وهو الكليم.. والسعي والنصب من أجل العلم.. فالعلم ليس أمراً سهلاً، ولكنه عمل شاق يحتاج إلي من يبذل الجهد والعرق لتحصيله.. ويحتاج العلم إلي الصبر.. كما يحتاج إلي "التأدب مع المعلم وإلي حسن طاعته". لا يستقيم أمر التعليم والتلميذ يستشعر قوته وتفوقه علي أستاذه.. الطاعة العمياء للمعلم شرط لازم، وضرروة حتمية قبل البدأ في أي عملية تعليمية... وفي لقاء الجمعة القادم إن شاء الله لنا لقاء آخر مع موسي والخضر.