يحدثنا السفير هرمان إيلتز سفير الولاياتالمتحدة بالقاهرة عن عمله أثناء عهد الرئيس كارتر بعد خروج إدارة الرئيس فورد وخاصة وزير الخارجية هنري كيسنجر المسبب للمتاعب والإعجاب في نفس الوقت.. يصف إيلتز هذه المرحلة أنها تميزت بمحاولة واشنطن التأثير علي النفوذ السوفيتي في مصر وكان من أوائل الأمور قيام كارتر في أكتوبر 1977 بإصدار بيان مشترك مع الاتحاد السوفيتي حول الشرق الأوسط. يقول السفير إنه بمجرد تولي إدارة كارتر السلطة في بداية عام 1977 فإنه قرر أمرين الأول أنه سيعطي أولوية لمشكلة الشرق الأوسط التي كانت متجمدة تقريبا طوال عام 1976، والثاني أنه سيسعي إلي تحقيق تسوية شاملة للمسألة وذلك يعني التخلي عن سياسة الخطوة خطوة (أسلوب كيسنجر والعودة مرة أخري إلي سياسة مؤتمر جينيف، أي مشاركة الولاياتالمتحدة مع الاتحاد السوفيتي والدول المعنية في مؤتمر شامل).. ولذلك عمل كارتر خلال عام 1977 علي تنفيذ عدة خطوات تؤدي إلي المؤتمر بنهاية العام، وكان الرئيس السادات سعيدا جدا بذلك ولكن شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل تمشي مع ذلك مضطرا. أول خطوة اتبعها كارتر هو التحدث مع كل زعماء المنطقة حول المؤتمر وطريقة عمله، ومن ذلك ظهرت الموافقة علي اقتراح سوري بأن يمثل العرب بوفد موحد وليس بوفود منفصلة.. في البداية لم يعجب السادات بذلك لأنه كان يرغب أن تمثل مصر بوفد وطني خاص بها، ولكن كان ذلك هو الثمن لمشاركة سوريا في المؤتمر، وتم إقناعه علي أساس أن ذلك سيتيح للفلسطينيين أن يشاركوا في الوفد العربي الموحد، ولن يتعين علي إسرائيل بذلك أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. تماشت القيادة الإسرائيلية مع ذلك، وتم الاتفاق علي مشاركة اثنين من الفلسطينيين الأمريكان (أي الذين يحملون الجنسية الأمريكية) علي الانضمام للوفد وكانا من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني أيضا في نفس الوقت. الخطوة الثانية التي اتبعها كارتر هو العمل علي بدء حوار غير رسمي مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما عملت عليه واشنطن ولذلك أصدرت إعلانا كتبه ايلتز في الواقع في الإسكندرية ينص علي أن المنظمة وافقت علي قبول قرار مجلس الأمن رقم 242 والإشارة إلي أن ما جاء في هذا القرار حول اللاجئين يتحدث عن اللاجئين وليس الفلسطينيين فقط. وحذرتهم واشنطن من تعمد إضافة شروط إضافية تؤدي إلي رفض إسرائيل للإعلان. والنقطة الثالثة هي قبول المنظمة بوجود إسرائيل وحقها في البقاء. تم إقناع ياسر عرفات بدعم من المصريين بالموافقة علي ذلك ولكنه ذكر أنه يتعين عليه أن يعرض الأمر أولا علي اللجنة التنفيذية للمنظمة.. وعندما فعل ذلك كان السوريون قد علموا بفكرة الإعلان المقترح، وبالرغم من قبول فكرة سوريا تكوين وفد عربي مشترك إلا أنهم لم يكونوا تواقين إلي قيام حوار بين الولاياتالمتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك استخدموا نفوذهم علي بعض أعضاء اللجنة التنفيذية وخسر عرفات التصويت بنسبة 11 إلي 4.. ولذلك لم تستطع واشنطن الإبقاء علي هذا الحوار الجانبي مع المنظمة، ولكن الرئيس كارتر كان علي استعداد للاستمرار في فكرة مشاركة الأمريكان من أصل فلسطيني في الوفد العربي الموحد. أما الخطوة الثالثة التي اتبعها كارتر فكانت العمل علي استمالة السوريين.. السوفييت كانوا يشعرون بالمرارة من جراء استبعادهم طوال هذه السنوات وشعروا بالخيانة نحوهم بعد أن ضغطت واشنطن من أجل استبعادهم من المفاوضات. شعرت الولاياتالمتحدة أنها محقة في هذه السياسة، لأن البيان الأمريكي المشترك صدر في بداية أكتوبر 1977 وتمشت واشنطن مع موسكو التي اقترحت عدة صياغات حول الحقوق المشروعة للفلسطينيين وهو الأمر الذي وصل إلي الصحافة الأمريكية بالرغم من إدراك الجميع أن الإشارة إلي الحقوق المشروعة وغير ذلك من الحقوق قد ضاع في خضم المناقشات الصعبة حول المسائل الإجرائية، فيما عدا بالطبع بالنسبة للفلسطينيين إذ كانت الإشارة إلي الحقوق المشروعة تعني لهم الكثير. كانت واشنطن علي استعداد للمشاركة في مؤتمر جينيف بنهاية ديسمبر من نفس العام مع علمها التام في هذا الشأن باحتمال استغلال السوفييت لمنبر المؤتمر الدولي من أجل القيام بعمليات تآمرية، ولذلك عملت واشنطن مع كل من مصر وإسرائيل حول بحث طريقة التعامل مع هذا الاحتمال. واتفق علي أنه لن يكون من حق رئيسي المؤتمر (واشنطنوموسكو) أن يشاركا في عضوية اللجان المنبثقة عن المؤتمر التي ستشكل من أعضاء الوفد العربي الموحد وأعضاء الوفد الإسرائيلي. كانت واشنطن علي اقتناع أن الأطراف العربية والإسرائيلية في هذه اللجان لن تتمكن من التوصل بسرعة إلي اتفاق وستسارع بالالتجاء إلي رئيسي المؤتمر للمساعدة. ولما كانت الولاياتالمتحدة لها علاقات مع الجانبين، إلا أن الاتحاد السوفيتي لم يكن يتمتع بمثل هذه العلاقات مع الإسرائيليين، ولذلك فإن قدرته علي التوسط ستكون محدودة. ويقول إيلتز إنه بالرغم من أن واشنطن لم تكن واثقة مائة في المائة بأن هذا الأسلوب سينجح، فإنها كانت تري فيه أفضل الخيارات المتاحة أمامها. أما بالنسبة لموقف الرئيس السادات ورد فعله علي البيان الأمريكي السوفيتي المشترك، فإن هناك نظرية إسرائيلية تقول إنه كان السبب وراء قراره بالذهاب إلي القدس، وهو أمر يصفه إيلتز بأنه لا أساس له مطلقا من الصحة، فقد كان السادات سعيدا جدا بالبيان المشترك الذي كان وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي الذي كان متواجدا في نيويورك في تلك الفترة يتابع صياغته يوما بيوم. ذكر السادات لإيلتز: «هذه حركة بارعة جدا من جانب كارتر من أجل جذب السوفييت للعملية». لأنه يعني في رأيه قدرة واشنطن علي التحرك نحو عقد مؤتمر جينيف وهو أمر مهم جدا للرئيس السادات، لأنه في نظره لم يحدث أي تحرك يذكر في عملية سلام الشرق الأوسط لمدة عامين علي الأقل. وذلك علي عكس رأي الكثيرين الذين لم يكونوا علي علم بالتطورات، فإن المصريين قد رحبوا بالبيان الأمريكي السوفيتي المشترك، ليس من أجل مشاركة السوفييت بطريقة ضخمة وإنما من أجل الحد من إمكانية قيامهم بعرقلة العملية من أولها. يستعرض إيلتز معنا في الحلقة المقبلة، ما حدث بعد نوفمبر 1977 وتعرض كارتر لضغوط يهودية قوية في الولاياتالمتحدة بسبب هذا البيان المشترك.