عندما تكون عائمًا فإنك غالبًا تضع رأسك في الماء.. تسمح فقط لنفسك بالتقاط الشهيق.. دون أن تري ما حولك.. لكنك تحتاج من وقت لآخر إلي أن ترفع رأسك.. وتنظر للأمام وتُبصر ما حولك.. فالحياة ليست هي فقط الماء الذي تسبح فيه.. وقد يكون مالحًا.. وقد يكون عذبًا.. وقد يكون هادئًا.. أو متلاطمًا.. ارفع رأسك لكي تعرف أنك تسبح في الاتجاه الصحيح.. وهذه المقالات محاولات لرفع الرأس خارج الماء.. بينما نحن نواصل السباحة. بالأمس، أشرت إلي مقال (دوري جولد) المستشار السياسي السابق لرئيس وزراء إسرائيل.. وفيه اعتبر أن الخلاف بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل إنما هو تعبير عن تغير نوعي في رؤية الولاياتالمتحدة للعالم كله وليس مقصورًا علي إسرائيل وحدها.. ولم أكن قد أكملت أنه أضاف: «إذا كانت نية الإدارة إعادة تنظيم العلاقة مع حلفاء الولاياتالمتحدة فليس علي الدول العربية أن تحتفل بشكل تلقائي.. والسؤال هو: من سيكون الشريك الأساسي للولايات المتحدة في محاولتها مد اليد للعالم الإسلامي؟ هل سيكون هؤلاء هم الحلفاء القدامي مثل مصر والسعودية؟ أم ربما سيكون هناك شريك إقليمي جديد؟». ولو افترضنا أن تحليله صحيح.. وأنه سيكون هناك سعي لتنظيم علاقات مع شريك ما في التعامل مع العالم الإسلامي.. فإنني ألمح في كلام جولد سعيًا للتنبؤ.. كما أن فيه سعيًا للوقيعة المبكرة بين من سوف يقتنعون برأيه.. ويحاولون أن يكونوا هم الشركاء للولايات المتحدة.. أو تكون لشريك الأسبقية علي حساب شريك آخر.. بمعني أن يحدث تنافس بين مصر والسعودية.. أو بين الدولتين وبين تركيا التي يعاد تقديمها لدور جديد يري البعض أنه صاعد في الشرق الأوسط. نحن هنا نتكلم عن مستقبل في المدي المتوسط، أي بعد افتراض إعلان الدولة الفلسطينية خلال المدي القصير.. عامين أو ثلاثة.. لو سارت الأمور كما يريد أوباما.. وهنا أشير إلي ما كنت قد كتبته من قبل في الصفحة الأولي من «روزاليوسف» بتاريخ 4 مارس 2010 تحت عنوان: (أخطر السيناريوهات علي مستقبل البلد).. وقلت فيه إنه بطريقة أو بأخري سوف يكون هناك حل ما لملف فلسطين.. وأنه سوف تنظر إسرائيل حولها في إطار التحدي الحضاري الجديد في عصر السلام وما بعد التسوية.. ولن تجد سوي مصر منافسًا هائلاً علي قيادة الإقليم.. ومن ثم توقعت أنه سوف تكون هناك أخطار مختلفة تستهدف استقرار مصر وتعوق صعودها.. ومنها خطر الفتنة الطائفية.. وخطر الفوضي السياسية.. ومؤامرات تدبر في سيناء ومناطق أخري. وجهة نظري أنه لو صح سيناريو جولد.. فإن الولاياتالمتحدة لن تعتمد علي شريك واحد في التعامل مع العالم الإسلامي.. وإنما سيكون لديها أكثر من شريك في كل منطقة جغرافية إسلامية.. وهنا تبرز أسماء الأمم الكبيرة.. إندونيسيا.. تركيا.. مصر.. والدول المتمايزة مثل المغرب والسعودية.. ولكل مقوماته وخصائصه.. وعمليًا بدأ التسخين علي التنافس في الشرق الأوسط.. خصوصًا في معسكر السُنة ما بين العرب(مصر والسعودية) والأتراك. ما ينمي احتمالات هذا السيناريو هو أن هناك توقعات اقتصادية موثقة تشير إلي أن الشرق الأوسط سوف يشهد نهوضًا عبر مجموعة من الدول الكبيرة.. إذ قال خبير اقتصادي دولي مرموق هو جيم أونيل رئيس الأبحاث في مؤسسة جولدمان ساكس: إن هناك 11 دولة سوف تبرز في الاقتصاد العالمي.. ثلاث منها شرق أوسطية.. وهي مصر وتركيا وإيران. الكثيرون انتبهوا لهذا التصريح وقيمته.. من حيث إن قائله يوصف بأنه أحد أبرز خبراء الاقتصاد في العالم.. ومن حيث إنه سبق أن ابتدع مصطلح دول (بريك) الأحرف الأولي من أسماء دول البرازيل والهند والصين وروسيا.. التي توقع لها صعودًا يتحقق بالفعل وبالتالي فإنه حين يصدر هذا الحكم متحدثًا عن خريطة اقتصادية جديدة يكون له معني مهم جدًا ومؤشرات مستقبلية حقيقية. سوف أعود إلي مضمون ما قال أونيل.. غدًا.. ولكنني أولاً أجد أننا أمام عالم يتغير.. ونحن لا ننتبه.. الآخرون يحتجزون لنا مساحة مستحقة في المستقبل.. ولكننا منشغلون بأمور أصغر وموضوعات قد لا تكون لها قيمة.. يواجهنا المستقبل بتحديات مذهلة.. ولكننا لا نبالي بها.. وإنما نصر علي أن نضع رءوسنا في قلب الماء.. وسوف نكتشف لو واصلنا ذلك بعد وقت أننا نسبح في طريق العودة وليس طريق الذهاب. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]