سئلت امرأة عجوز عن الحب وما هو معناه فأجابت: أول مرة سمعت هذه الكلمة كنت طفلة صغيرة وكانت من والدي الذي قبلني وقال إني أحبك، فقلت الحب هو: الأمان وحضن دافئ. وعندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة تحت باب المنزل أرسلها لي ابن الجيران مكتوباً عليها اسمي وبداخلها: إني أحبك، فقلت الحب هو: جرأة وجنون. وعندما خطبت لابن الجيران كانت أول كلمة قالها لي هي أحبك، فقلت الحب هو: طموح وعمل وهدف وإرادة. تزوجت وفي ثاني يوم زواج قبلني زوجي علي رأسي وقال لي إني أحبك، فقلت الحب هو: شوق وحنين. مرت سنة فولدت أول أولادي. كنت متعبة ملقاة علي سريري فجاءني زوجي وأمسك بيدي وقال إني أحبك، فقلت الحب هو: شكر وتقدير وحنان. وبعد مرور السنين تسرب الشعر الأبيض إلي الرأس وتزوج الأبناء واحدا فواحداً، فنظر زوجي لشعري مبتسما وقال لي أحبك، فقلت الحب هو: رحمة وعطف. طال العمر وصرنا عجوزين وفي كل مرة يقول لي زوجي العزيز أحبك، أقول الحب هو: وفاء وصدق وإخلاص وعطاء. هل يتغير مفهوم الحب إذا؟ أم أن لكل مرحلة من مراحله شكلاً يختلف عما يسبقه؟ أم أنه يتطور مع مرور الوقت وتغير شكل الحياة؟ يبدو أنه يتسع ليشمل معاني أكثر ولكنه لا يفقد ما بدأ وانطلق منه. فهو يبدأ صغيرا وينمو شيئا فشيئا لتزداد مفاهيمه وليكشف المحبون أسرارا جديدة فيه كل يوم. الحب إذا هو كل ما ذكرته العجوز الحكيمة ولكننا نتعلمه ونتكشف أسراره ببطء، واحداً تلو الآخر. وقد بدأ عندها معني الحب بالأخذ، إذ كانت تستشعره عندما تأخذ من أبيها الأمان والحضن الدافئ. ثم بدأت تشعر به عند الطرف الآخر الذي أحبها في جرأة وجنون. ثم صار الحب متبادلا بينها وزوجها في شكل الشوق والحنين. ولما صارت أما تتعب من أجل أبناء مشتركين بينها هي وزوجها صارت محبته لها شكرا وتقديرا وحنانا. وتبعتها معاني الرحمة والعطف عندما كبر الأبناء وعاد الزوجان لحياتهما الهادئة والتي تطور فيها مفهوم الحب إلي مشاعر وفاء وصدق وإخلاص وعطاء متبادلة. وآخر كلمة نطقتها العجوز هي أكبر تطور لمفاهيم الحب وهو العطاء. وهو أسمي معاني جميع أنواع الحب الإنساني ولا يقتصر علي حب الرجل والمرأة، ولا علي حب الأمومة والأبوة، ولا علي حب الأصدقاء، بل يتجاوز كل هذا ويصل إلي حب البشر جميعا، والبذل من أجل الجميع. قد تبدو تلك المفاهيم خيالية أو مثالية لدي الكثيرين ولكن إذا لم تكن موجودة، ولو في ندرة، لجف ينبوع إيماننا؛ ولو انتهت، ينتهي العالم. ولو ظننا أن العطاء هو حب ضعيف، نكون مخطئين جدا جدا. أن تعطي وتبذل من أجل من تحب هو منتهي الحب، ومنتهي القوة، وليس حب أعظم من هذا أن تبذل من أجل المحبوبين.