علي مدي السنوات التي جثم فيها الاحتلال الألماني علي قلب فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية ، تشكلت حركات المقاومة الفرنسية وبدأت شيئا فشيئاً تتحول لمنظمات قوية وشبكة متشعبة من الحركات السرية . وسرعان ما أصبح التمويل أساسياً لوجود وبقاء هذه المنظمات. وفي كتابه "أموال المقاومة "، يوضح الكاتب الصحفي جون-مارك بينوه أنه في بلد يترفع دائما عن الحديث عن الاموال يصبح تناول موضوع مثل تمويل المقاومة أمرا محظورا ، حتي بعد 60 سنة من الاستقلال . وذكر الكاتب ، الذي أصدر كتابه مستعينا ببرنار بوييه ابن أحد أشهر رجال المقاومة ومؤسس حركة "بروتس" السرية، أن هذا الموضوع الحساس ، تمويل المقاومة ، حتي إذا كان الحديث عن موضوع التمويل، لم تتناوله أبدا أي دراسة تاريخية شاملة ، ربما بحجة أنه يقلل من شأن الأعمال البطولية الرائعة للمقاومة أثناء الإحتلال إلا إننا يجب أن نعترف ان البحث عن الأموال كان أحد أكبر المعارك التي خاضتها المقاومة، وهو ما يظهر أهمية هذا الكتاب الذي لاتتجاوز صفحاته المائتي صفحة ، لكن يعتمد في مصادره علي وثائق من وزارة التمويل والدفاع وبنك فرنسا الوطني ، وسجلات منظمة "فرنسا الحرة" للمقاومة . ويجيب بينوه في كتابه علي أسئلة طالما طرحها المحللون دون إجابة: كم كان حجم الاحتياجات المالية للمقاومة؟ ومن كان يمول شبكة المقاومة المتشعبة في كافة أنحاء فرنسا وخارجها ؟ وكيف كان يتم توزيع هذه الأموال وتقسيمها والسيطرة عليها ؟ ويكشف الكتاب لأول مرة أن منظمات المقاومة ، لم تكن تعتمد كلية علي المتطوعين، فقد كانت تعين موظفين وتعطي رواتب لرجالها ، فعلي سبيل المثال وصل عدد الموظفين في حركة "القتال" المقاومة في ديسمبر 1942إلي 200 مابين جنود وسكرتارية وعاملات آلة كاتبة!!. وبالإضافة إلي الرواتب كانت الحاجة إلي الأموال دائما موجودة لتوفير ايجار المساكن والفنادق وأماكن اللقاء السرية ، ولإعانة عائلات رجال المقاومة الذين استشهدوا أو دخلوا المعتقلات، بالإضافة إلي طباعة منشورات وصحف المقاومة، ودفع الرشاوي اللازمة للحصول علي معلومات أو تهريب المعتقلين.. لكن يبقي السؤال الأهم.. من أين تأتي أموال المقاومة؟ يحكي الكاتب انه في البداية كانت المقاومة تعتمد علي اموال رجالها من مدخرات عائلاتهم أو تبرعات الأغنياء، لكن هذا لم يكن كافيا علي الإطلاق. عندها قررت منظمة "فرنسا الحرة " في لندن بقيادة الجنرال شارل ديجول التدخل لتمويل المقاومة ، ويشير الكتاب للتقرير الشهير الذي قدمه جون مولان للجنرال ديجول في ال25 من أغسطس 1941 يشرح فيه وضع حركات المقاومة والحاجة الماسة والعاجلة لتمويل كاف ومستديم لضمان فاعلية هذه الحركات وإستمراريتها في مواجهة الاحتلال النازي. وعلي الفور فتح بنك إنجلترا حسابا خاصا تقوم عن طريقه الحكومة الإنجليزية بتحويل مبالغ شهرية لتمويل المقاومة في فرنسا، علي أن تتعهد حركة "فرنسا الحرة " برد هذه الاموال بعد انتهاء الحرب. وتوضح السجلات أنه حتي يونيو 1943قدمت وزارة الخزانة البريطانية مايزيد علي 6 مليارات فرانك للمقاومة الفرنسية في الداخل والخارج. وفي النهاية يؤكد بينوه أن المقاومة برغم نبل أهدافها لمتنج من استغلال بعض الأشخاص لهذا الفيض من الأموال للتربح والاغتناء عن طريق الاختلاس والتلاعب في "عصب الحرب".. أموال المقاومة.