أكمل ما بدأت بالأمس، تحت عنوان: (رئيس جمهورية الفيس بوك).. وأبدأ بملاحظات ثلاث.. واحدة من عندي وواحدة تعليق علي كلام قرأته.. وثالثة تمثل نصحاً للمدير السابق لوكالة الطاقة الذرية.. ثم أواصل مناقشة النظرية السياسية للدكتور محمد البرادعي. الملاحظة الأولي: تتعلق بخلط واضح لدي بعض المعلقين علي مقالي بالأمس، بشأن اقتناعهم بمدي تأثير الإنترنت في العملية السياسية الحديثة.. وفي هذا السياق يضرب الكثيرون مثالاً بطريقة توظيف الرئيس أوباما لأدوات الإنترنت في حملته الانتخابية.. وهذا كلام مفهوم ولكنه يحتاج إلي تعليق إضافي. يبدو أنني لم أشرح جيداً معني أهمية الإنترنت في (الاتصال السياسي)، وعدم الوثوق فيها كأداة لتقييم المكانات السياسية.. أنا بالطبع أقر بدور الشبكة العنكبوتية في الحملات الانتخابية.. مثلاًحملة أوباما قامت بعمل ريادي في هذا الاتجاه.. ولكن هناك عدة نقاط: * استخدم أوباما الإنترنت والشبكات الاجتماعية في إبلاغ رسالته والترويج لها وتلقي ردود الأفعال والتبرعات.. ولكنه لم يستخدم الإنترنت في تقييم مكانته. * في حالة جمع التبرعات فإن المستخدم للإنترنت يدفع مالاً عن طريق كروت الائتمان.. وكان المتبرعون لحملة أوباما يبدأون من خمسة دولارات.. وعلي محدودية المبلغ إلا أنه في النهاية يؤكد أن هناك من لديه موقف ويعبر عنه بطريقة ملموسة وليس مجرد (كليك بالماوس). * لم يكن أوباما، كما قلت من قبل، غريباً عن بلده.. البرادعي غريب.. مواطن وافد.. عائد.. هو نفسه يقول لم أكن أعرف شيئا قبل سنة.. والأهم أن مستخدم الإنترنت في الحملات السياسية لابد أن تكون له أرضية سياسية في الواقع.. فلا يكون وافداً ويصدر أحكامه من العالم الافتراضي.. هذا افتراض في افتراض. عموماً هذا ينقلنا إلي الملاحظة الثانية.. ذلك أن عدداً من المحيطين بالبرادعي بدأ في الشعور بالقلق.. ويتوخي الحذر.. ويطرح تساؤلات جوهرية.. ومن بينهم جميلة إسماعيل التي كانت من بين مستقبلي البرادعي في المطار في زيارته الأولي للبلد.. وقد قالت إنها تخشي من فشل تجربة البرادعي وتأثير ذلك علي إحباط الناس.. وأنه ليس معروفاً.. في ماذا يمكن استخدام التوقيعات التي يتم جمعها الآن.. وما هي الآلية؟ هذا كلام يضاف إلي مجموعة أخري من التصرفات والتصريحات المنسوبة للمحيطين بالبرادعي تظهر أنهم يتوجسون من الأسلوب.. وأن بينهم مشاحنات وصراعات وانشطارات.. أشرت إليها في مقالي قبل أيام بعنوان (التشطير والتغيير). وأما الملاحظة الثالثة.. فهي نوع من النصح للدكتور البرادعي نابع من قراءة ما قاله لمجلة نمساوية نشرت ما جاء فيها جريدة الشروق الخاصة.. إذ قال البرادعي إن الحكومة تشعر بالقلق.. وهو كلام وجدته يتردد في مقالات أجنبية من الواضح أن فيها بصمات محمد البرادعي نفسه. أنا شخصياً لا أري هذا.. وأعتقد أن مصادري في الحكومة والحكم وحزب الأغلبية أقوي من الدكتور البرادعي.. وأستطيع أن أقيس بطريقة أكثر صحة من طريقته.. بل إن بعض الأفراد يجدون في تعليقات الصحف عليه أمراً غير مبرر.. وأفراداً آخرين يرون أنه يجب التعامل مع الظاهرة المؤقتة التي يمثلها (بالترك).. وقد كتبت مخالفاً تلك الرؤية أكثر من مرة.. لأننا بصدد حماية الرأي العام من عملية خداع كبيرة.. ولأننا بصدد حراك مغشوش.. لابد أن ننبه المواطن إلي أبعاده.. حتي لايحبط بعض الناس حين يجدون البرادعي وقد اختفي من الساحة فجأة منزويا. ويخطئ البرادعي، أو يعود إلي طبيعته الافتراضية، إذا ظن أن تعليقات الصحف القومية علي ما يفعل هو ومن حوله، هي تعبير عن قلق حكومي.. أساس هذه النظرية مخطئ.. لأنه انبني علي أساس أن الصحف القومية تتوجه بتعليمات الحكومة والحكم.. في حين أن ذلك يخالف الواقع.. والصحف مدارس ومواقف وتوجهات متباينة.. لكن المظلة القومية التي تجمعها هي التي تستهدف في النهاية مصلحة المواطن بالطريقة التي نستوعبها.. وعلي أسس الواقع الحقيقي.. وليس الافتراضي. نأتي إلي مسألة (عود الثقاب) التي طرحها الدكتور محمد البرادعي حين قال واصفا نفسه: (أنا أشبه عود الثقاب إلي جانب برميل بارود.. فإذا ما أبعدنا عود الثقاب فإن هذا لاينفي وجود برميل البارود).. وهذا كلام يستوجب التوقف بالطبع. * التوصيف ساذج بطريقة فادحة.. ويكشف عن ضعف ومحدودية الخيال السياسي للدكتور البرادعي.. ويظهر بوضوح مشكلته الجوهرية في الاتصال مع الرأي العام.. فهو يفكر بالإنجليزية.. ثم يعود ليعبر عن نفسه باللغة العربية.. ما يسبب فجوة ثقافية رهيبة تؤدي إلي أمور لاينبغي التطرق لها هنا احتراماً لمكانة الرجل.. لكننا في النهاية أمام شخص وصف نفسه بأنه عود كبريت.. والمعارضة باعتبارها برميلاً.. في حين أنه كان يمكن أن يقول ببساطة (أنا محفز للتغيير).. و(حتي إذا لم أكن موجوداً فإن هذا لاينفي وجود الرغبة في التغيير).. وإذا أراد أن يطور الأمر كان يمكنه أن يقول: (أنا شعلة التغيير).. هكذا بمنتهي السلاسة.. وبدون تحقير الذات والغير. * يبدو البرادعي مولعاً بفكرة (التفجير) والبارود والتوليع.. فمن قبل تحدث محذراً عن انتفاضة تشبه ما جري في إيران.. وهذا الكلام لايتسق أبداً مع حديثه عن تغيير سلمي يسعي إليه.. مفرداته لا علاقة لها بالسياسة القائمة علي التفاعل الديمقراطي.. يبدو قريباً من القاموس النووي.. ربما تأثراً بفترة عمله الممتدة في وكالة الطاقة الذرية. * كان من الواجب علي محمد البرادعي أن يشرح لنا: من الذي وضع عود الكبريت إلي جانب برميل البارود؟.. إن البرميل الذي يتحدث عنه سوف يظل كما هو بدون وجود عود الكبريت.. ثم من سيكون هو الذي سيشعل عود الكبريت.. ويقترب به من البرميل لكي يفجره.. بافتراض أن البرميل موجود أصلاً.. وليس من صنع افتراضات البرادعي. * قبل أشهر أدلي البرادعي بتصريح مهول عبر فيه عن إحساسه بعقدة الذنب لأنه لم يكن قوياً بما يكفي لكي يمنع الحرب علي العراق.. وهذه مسألة يطول الجدل فيها ولم يحن وقتها بعد.. ولكن ما الذي يمنع من أن يكون كل عبثه الحالي ليس سوي جرم يقترفه بناء علي أحكام خاطئة مماثلة.. ثم يأتي بعد أن ينفجر البرميل ويصرح لمجلة أجنبية في بلد ما من تلك التي يتجول بينها ويقول إنه يشعر بعقدة الذنب وتأنيب الضمير. عموماً هناك نقاط أخري تحتاج تعليقات إضافية سوف أعود إليها غداً.. ولكن لو طلب الدكتور البرادعي النصح من مواطن مصري مخلص للبلد.. ويحترم الدكتور البرادعي ومكانته (الاحترام لاينفي الانتقاد).. فإنني سأقول له: أفق يادكتور.. أنت واهم.. وتقود قطاعاً من الرأي العام إلي وهم عظيم.. إن ما تفعله ليس سوي فقاعة مهولة.. إطارها من أحكام غير صائبة.. منفوخة بهواء زفير لايصلح لأن يتنفس منه إنسان. ونكمل غداً. [email protected] www.abkamal.net