لا يحتاج الموسيقار العملاق الفذ محمد القصبجي إلي تعريف، فهو من شوامخ التلحين المصري في القرن العشرين، وصاحب البصمة التي لا تنسي في تاريخ الفن، وعند رحيله في الخامس والعشرين من مارس سنة 1966، فقدت مصر واحدا من أعلامها ورموزها، الذين تعتز بهم وتتباهي. ولد محمد القصبجي في أبريل سنة 1893 وحصل علي دبلوم مدرسة المعلمين العليا في العام 1914، لكنه انصرف سريعا عن مهنة التدريس متفرغا للموسيقي، وبدأت رحلته التلحينية مع سلطانة الطرب منيرة المهدية، أشهر مطربات مصر قبل شروق شمس أم كلثوم، لكنه تعرف علي كوكب الشرق سنة 1924، وقدم لها مجموعة من روائع الألحان التي لا تنسي، بداية من إن حالي في هواها عجب، وصولا إلي الذروة غير المسبوقة في إن كنت أسامح وأنسي الأسية، أما رق الحبيب فهي آيته الكبري، والانجاز الفريد الذي لا ينساه عشاق ثومة والطرب الأصيل. أكثر من مائة أغنية لحنها العبقري محمد القصبجي لأم كلثوم، ولم يحل هذا دون التعاون مع الأغلب الأعم من مطربي ومطربات العصر، ولا شك أن الألحان التي قدمها لأسمهان وليلي مراد تستحق الكثير من الإعجاب والاهتمام، ومنها علي سبيل المثال: مش ممكن أقدر أخاصمك، اضحك كركر، قلبي دليلي، مادام تحب بتنكر ليه، وغير ذلك كثير. موهبة القصبجي تفوق كثيرا ما قدمه، وقد قنع الرجل في سنواته الأخيرة بدور العازف علي العود في فرقة أم كلثوم، لكن تراثه الموسيقي يرتفع به إلي مكانة سامية لم تحظ ببعض ما تستحقه من الشهرة والتقدير، اللهم إلا عند دارسي الموسيقي الذين يعرفون قدره حق المعرفة. عند رحيل القصبجي، كتب الشاعر صالح جودت يرثيه بقصيدة صادقة يقول مطلعها: عشاق ثومة في ميعادها الغالي هلا التفتم لذاك المقعد الخالي؟ يشير بذلك إلي مقعده الأثير خلف سيدة الغناء العربي، الشمس التي أحبها ولاذ بها وقنع أن يعيش في حضرتها، يعزف لها ويستمع ويستمتع كأنه راهب في معبدها.