أتيح للمذيع اللامع "طارق حبيب" ما لم يتح لغيره من المذيعين سواء في مصر أو العالم العربي فقد حاور والتقي مئات الشخصيات المهمة والمؤثرة والتي كان لها رأي ورؤية وشهادة بحكم المناصب والمسئوليات العديدة التي شغلتها. وعلي مدي سنوات عديدة نجح "طارق حبيب" أن يقدم صورة حية وموثقة بشهادات المعاصرين والشهود علي أحداث صنعت بعض الصفحات تاريخ مصر الحديث وخاصة منذ قيام ثورة 23 يوليو وفي الحلقات المهمة والتي كانت عن ملفات ثورة يوليو استضاف طارق حبيب أسماء بارزة كنا نسمع عنها ولا نراها مثل شمس بدران وزير حربية مصر زمن هزيمة يونيو 67 والملكة ناريمان وأبناء الرؤساء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات. كانت مشاهدة الحلقات عبر التليفزيون متعة وعندما تحولت إلي كتاب صارت المتعة مؤكدة وأتاحت للمؤرخين مادة خصبة من الشهادات والحوارات تضيء جوانب مجهولة بالنسبة للمؤرخين والدراسين وهو ما دعا المؤرخ الكبير الدكتور "يونان لبيب رزق" إلي القول "عمل غير مألوف ونهج جديد من الكتابة التاريخية" وربما كان نجاح كتاب "ملفات ثورة يوليو" صدر عام 1997 عن مركز الأهرام للترجمة والنشر دافعاً لطارق حبيب لإصدار كتابه الجديد "ملك وثلاثة رؤساء" ويضم شهادات واعترافات أكثر من سبعين شخصية ارتبطت بحكام مصر: الملك فاروق والرؤساء محمد نجيب وعبدالناصر والسادات صدر عن دار الشروق منذ أسابيع. وعلي ما يبدو فقد اكتفي طارق حبيب بالتفريغ الحرفي للحوارات التليفزيونية التي أجراها مع هذه الشخصيات ولهذا جاءت الإجابات سريعة ومركزة وقصيرة فهذا من مقتضيات الحوار التليفزيوني وهذا جيد لكن لا أدري السبب المباشر عند تحويل هذه الشهادات من مادة مرئية إلي مادة مكتوبة أن تجيء بنفس درجة التركيز والإجابات التلغرافية كنت أتمني أن تجيء الشهادات في الكتاب أطول وأكثر تفصيلا ويأخذ صاحب الشهادة التاريخية مساحته وحريته في الحكي والتذكر. يتحدث الفصل الأول عن "الملك فاروق الأول والأخير" وهناك شهادة الملكة ناريمان ولو كنت مكان "طارق حبيب" لأفردت للملكة ناريمان مساحة أكبر وأوسع وربما كانت شهادتها تصلح كتابا لوحده يصلح كوثيقة سياسية وتاريخية وإنسانية عن زوجها الملك! تقول الملكة ناريمان: كان يصحو الساعة الثانية عشرة ظهرا عادة ويتناول إفطاره ثم يقرأ موضوعات النقض في الصحف. هل كان يتناول إفطاراً معيناً؟ كان يشرب كميات كبيرة من العصائر وبعد ذلك يجري مقابلاته! هل كان يحلق ذقنه بنفسه أم كان لديه حلاق خاص؟ كان لديه ثلاثة حلاقين! هل كان يظل بالبيجامة أثناء قراءة الجرائد قبل ارتداء ملابسه؟ كان يرتدي العباءة! ماذا كان يفعل بعد الانتهاء من تناول إفطاره وقراءة الجرائد؟ كان يقوم بمراجعة سريعة للنقد والأخبار المهمة. هل كان يتعامل مع الأمور ببساطة؟ نعم وكان يتصل تليفونياً أثناء وجودي إلي جانبه برئيس الديوان "علي باشا" أو أي مسئول آخر وكانوا من المقربين له إلي حد مخاطبتهم بطريقة حادة إذا كان متضايقاً. هل كان يتحدث العربية؟ نعم بطلاقة لكنني لكي أتمكن من محادثته كان يجب أن أتناول معه العشاء الساعة الرابعة صباحاً وكنت أري الأفضل أن يظل هو رمزاً ويعطي السلطة بالكامل لرئيس الوزراء! أين كان يتولي مهام العرش؟ كان يقابل الوزراء أو المسئولين في مكتبه بالقصر! ماذا عن الغداء في فترة الظهر؟ كان لا يتناول غداءه قبل الرابعة عصراً علي ترابيزة صغيرة وليست سفرة كبيرة! هل كنتما تتناولان الغداء معاً؟ لا.. أنا أكون تناولت غدائي بالطبع لصعوبة هذا الوقت بالنسبة لي أما هو فيسهر ليلا ولا ينام قبل الخامسة صباحاً لأنه لا يحب النوم مبكراً وكانوا يقولون أن هذا الأرق لديه من أيام والده. هل كان يصلي؟ كان يصلي في جامع "قصر عابدين" أو في المنتزه وكان يحترم جداً شيخ الأزهر. ألم يكن يحتسي الخمر كما يقال؟ كان يشرب سوائل. ماذا كان يفعل من المحرمات؟ كان يحب الذهاب إلي نادي السيارات حيث يتم إخلاء الشارع له بالكامل ثم يقضي الوقت مع أربعة أو خمسة أشخاص. هل كان يلعب الكوتشينة؟ أظن!! ما هواياته في عدم وجود نادي السيارات أو الكوتشينة؟! كان يقرأ ويحب دائما الجلوس في الأوفيس ويعشق النكتة والضحك والسهرات الحلوة المرحة كما كان يجيد اللغات "السودانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية غير العربية". هل كان يحب ممارسة رياضة معينة؟ كان يحب الغوص والصيد ورؤية الحمام الأبيض والكلاب الوولف الخاصة به وكلاب الحراسة وركوب السيارات الجيب الخاصة به! هل كان يحب الموسيقي؟! كان يحب الأوبرا والموسيقي الشرقية طبعاً. وبالتالي يحب الرقص الشرقي؟ جميع الرجال سواء العظماء أو العادين يحبون الرقص الشرقي. هل كان يتابع أخبار مصر وأنتم في إيطاليا؟! نعم تابعها في بداية وصولنا حيث كان يسمع من الراديو عن بعض الشخصيات البارزة في مصر وعلي رأسها النحاس باشا وظل منطوياً علي نفسه لمدة شهرين في الفندق الذي نزلنا فيه ثم بدأ بعد ذلك يعود إلي طبيعته وعندما مر بوعكة صحية جعلته يقول لي: سوف تكونين أصغر أرملة في العالم. هل كان يربي ابنه علي أنه سوف يصبح ملكاً في يوم من الأيام حتي بعد إلغاء الملكية في مصر؟ نعم حتي وفاته وقد اختار دكتورا من جامعة جينيف ليدرس له اللغة العربية مرتين في الأسبوع كما حرص علي مواصلته الدراسية حتي يلتحق بكلية اسمها "روجي" وكان حزيناً جداً علي ابنته فادية التي تزوجت في لندن ودخل بعدها مصحة للتخسيس في سويسرا لمدة شهرين وكان يعشق شرب اللبن المخلوط بعصائر الموز واللوز. هل كان موسوساً؟! نعم كان شكاكاً في الفترة الأخيرة قبل موته إلي حد تذوق "بترو" الأكل قبل أن يتناوله هو لكنني لا أعتقد أن أحداً ممكن كان يسممه!! هذا بعض مما تحدثت به الملكة ناريمان لكن ما خفي في كتاب "طارق حبيب" كان أعظم!