الرفض العلني السوري للطلب الأمريكي الخاص بابتعاد سوريا عن إيران ليس مفاجئا وكان متوقعا.. فإن أي دولة لن تستجيب لطلب دولة أخري حتي ولو كانت عظمي إلا إذا كانت مكرهة وتحت ضغط أو كان هناك ثمن سوف تحصل عليه يساوي قيمة هذا الطلب.. والطلب الأمريكي من سوريا ليس طلبا بسيطا أو قليلا، إنما هو طلب يقتضي تغييرا استراتيجيا في منهج السياسة الخارجية السورية التي ظلت لسنوات طويلة تتبني هذا النهج، وتري أنه يحقق لها مصالح جمة ويوفر لها أمنها ويحمي نظامها السياسي من مخاطر عديدة كانت تتربص به. باختصار إيران بالنسبة لسوريا هي سلاح تراه ضروريا وفر لها حماية في مواجهة الحصار الامريكي والغربي الذي تعرضت له، وفي مواجهة أيضا أخطار طالت نظامها السياسي بسبب المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري وسوريا لكي تستغني عن هذا السلاح لابد أن تحصل علي سلاح بديل آخر له يوفر حماية لنظامها، ويضمن عدم تعرضها لأي حصار فماذا قدمت أمريكا لسوريا حتي الآن لتطلب منها التخلي عن هذا السلاح؟ كل ما قدمته أمريكا لسوريا حتي الآن هو استعادة العلاقات الدبلوماسية معها، وإيقاف المقاطعة الامريكية لها، وتعيين سفير أمريكي جديد في دمشق، ورفع الفيتو الأمريكي علي انضمام سوريا لمنظمة التجارة العالمية، وإزالة اسم سوريا من الدول التي حظرت واشنطن رعاياها من زيارتها. وصحيح أن ذلك ليس بالقليل بالنسبة لسوريا خاصة أنه تم في غضون عام فقط من حكم باراك أوباما، فضلا عن أنه اقترن بانفتاح أوروبي كبير، وبالذات فرنسي، علي سوريا إلا أنه في تقدير السوريين هو ثمن قليل بالنسبة لما تطلبه واشنطن من سوريا وهو الابتعاد عن إيران خاصة أن هذا الطلب الامريكي يتضمن طلبات أخري تفصيلية تتمثل في ابتعاد سوريا عن دعم المنظمات الفلسطينية، وحزب الله والتوقف عن التدخل في شئون لبنان. والثمن الذي لا يمكن أن ترضي سوريا بأقل منه حتي تقبل بإحداث انقلاب استراتيجي في سياستها الخارجية هو استعادة الجولان عبر مفاوضات في البداية غير مباشرة عن طريق الوسيط التركي وبرعاية أمريكية تتحول إلي مفاوضات مباشرة تفضي إلي اتفاق مع إسرائيل، وحتي الآن كل ما حصلت عليه سوريا من أمريكا مجرد وعود بدفع المفاوضات السورية الاسرائيلية، بل حتي استضافة هذه المباحثات في واشنطن أو أي مدينة أمريكية أخري، وبالطبع سوريا جربت وعودا عديدة لم تتحقق ولذلك لن تدفع ثمن سمك مازال في المياه ولم يتم اصطياده بعد، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد استئناف المفاوضات مع سوريا من نقطة الصفر وتريد أيضا قضم مساحات من الجولان، فضلا عن أنها لا ترحب بالوساطة التركية. ولذلك.. كان متوقعا ألا تستجيب سوريا للطلب الامريكي الخاص بالابتعاد عن ايران، حتي ولو تدريجيا كما اقترحت واشنطن علي السوريين.. وهذا ما حدث بالفعل.. بل إن الرئيس بشار آثر أن يأتي الرفض علنيا وساخراً مثلما كان الطلب علنيا ويحمل طابع الاملاء.. وهكذا سيظل السوريون يحتفظون بما يعتقدون انه أسلحة مهمة لهم تضمن حماية أمنهم في المنطقة.. وقد كان لافتا للانتباه أن المصالحة السورية السعودية وإن كانت ضمنت قدرا من الاستقرار السياسي للبنان إلا أنها لم تؤثر علي حميمية العلاقات الإيرانية السورية حتي الآن. لكن هامش المناورة السورية بهذا الرفض العلني والسريع لمطالب واشنطن سيتضاءل وسيقل خاصة في الاطار العربي.. مما يعني أن قطار المصالحة العربية لن يمضي في سبيله، ونفس الأمر سينطبق أيضا علي قطار المصالحة الفلسطينية.. أما الوضع في لبنان وإن كان من الصعب الآن أن يعود إلي الوراء حيث كان بلا حكومة وبرلمان معطل، فإنه لن يسير إلي الأمام وسيظل يراوح مكانه.. أي بلغة العسكريين "محلك سر"!