مساء اليوم ولمدة ثلاثة أيام تحتضن مكتبة الإسكندرية الاجتماع السابع لمنتدي الإصلاح العربي تحت عنوان: "عالم يتشكل من جديد.. أين دور العرب؟"، وهو عنوان ليس بسيطاً لأنه بمنتهي البساطة يلخص الواقع العربي الراهن في ظل عالم جديد يتشكل حالياً ونبدو غائبين عنه، ويمثل هذا الغياب أحد أبرز مشاكل العرب المزمنة، ليس في الغياب عن المشاركة في رسم المستقبل العالمي، وإنما أيضا في الإغراق في الماضي الذي أصبح احد أبرز السمات العربية قاطبة. وليس جديداً أو حتي مفاجئاً أننا أمام عالم يتغير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بشكل سريع ولافت، فثورة المعلومات والتكنولوجيا غيرت الشكل التقليدي لمفاهيم عاشت معنا طويلا مثل الوطن والمواطن والمواطنة، واتسع العالم ليتجاوز الحدود الجغرافية والتقسيمات البشرية لينتج ظاهرة المواطن العالمي، الذي تمتد اهتماماته وتتوسع لتشمل كل العالم من حوله. لكن هذا ليس التغيير الوحيد في العالم، فهناك قيم اصبحت حاكمة في حركة المجتمعات البشرية مثل حقوق الإنسان، التي يحميها ويقف خلفها مجتمع مدني كبير ومتماسك وفاعل ومؤثر، وتغيرت الصورة التقليدية للدولة فلم تعد الدولة حكومة وأحزابا ومؤسسات ومواطنين، وإنما تحولت أي دولة إلي مثلث متساوي الأضلاع تشارك في رسم سياسته وحركته الحكومة والمجتمع المدني ومجتمع رجال الأعمال. في السياسة يبدو أننا أمام نظام عالمي قيد التشكيل، فبعد انتهاء الحرب الباردة برزت الولاياتالمتحدة كقوة سياسية وحيدة ومسيطرة علي العالم، لكن هذه القوة أصبحت في صراع قوي ومؤثر في كل أنحاء العالم مع قوي أخري صاعدة مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، ولسنا بعيدين عن هذا الصراع الذي يمسنا بكل تأكيد، لذلك فنحن في هذه اللحظة أمام مفترق طرق يشهد إعادة تشكيل موازين القوي الاقتصادية والعسكرية والسياسية في العالم، ولابد أن نعرف مكاننا منه. وليس بعيدا عن ذلك تغيرات مناخية كبيرة يتوقع ان تؤثر في المستقبل علي الحدود الجغرافية المعروفة للدول، ومن بينها معظم الدول العربية الشمال أفريقية، التي تتعرض لأخطار تآكل شواطئها وانحسار مساحتها الجغرافية من ناحية المتوسط.. فيما تدخل الثورة العلمية والتكنولوجية منعطفات جديدة وسط حركة متسارعة الأمر الذي يؤكد أن العالم فعلا يتغير ومن هنا تأتي أهمية السؤال المطروح في مكتبة الإسكندرية عن دور العرب في هذا التغيير وفي العالم الذي يجري تشكيله الآن. لقد انطلق مؤتمر الإصلاح في عام 2004 وقدم وثيقة مهمة في عامه الأول هي وثيقة الإسكندرية للإصلاح العربي التي شملت مناحي الحياة كافة، صحيح أن كثيرا منها لم يدخل حيز التنفيذ بعد، لكنها أظهرت حقيقة مهمة وهي أن العقل العربي قادر علي مراجعة أوضاعه، واكتشاف الأخطاء، ووضع خارطة طريق للإصلاح. وفي عامه السابع ينتقل المنتدي الذي ترعاه مكتبة الإسكندرية نقلة جديدة ليس فقط في تشخيص أمراض الواقع العربي، وإنما التفكير الجدي في اللحاق بركب التقدم العالمي، لتظل مكتبة الإسكندرية منارة للمعرفة، ووسيلة لجمع العرب، في زمن فرقتهم فيه السياسة والاقتصاد.. وحتي كرة القدم.