مع بداية التدخل الأمريكي في العراق ومع الجهود المبذولة لإعادة بناء الديمقراطية هناك،لاح سؤال شديد الأهمية هو؛ هل كان العراق متجها نحو "الديكتاتورية" نظرا لأسلوب صدام؟ أم أن أسلوب صدام كان بهذا الشكل نظرا لطبيعة العراق نفسها،مجموعة من الطوائف المتناحرة غير قادرة علي الحكم الذاتي ولن يتم السيطرة عليها إلا بقبضة من حديد؟ وللأسف علي الرغم من مرور سبع سنوات علي إطاحة الولاياتالمتحدة بحكومة صدام حسين، وعلي الرغم من بقاء بضعة أسابيع فقط علي ثاني انتخابات وطنية ديمقراطية لم يجب أحد عن هذا السؤال، فهل ستنتصر السياسة الجديدة علي الانقسامات الثقافية في العراق أم أن الانقسامات ستغرق الديمقراطية الوليدة؟..لا أحد يعرف. والوضع الحالي في العراق يشكل تحديا للمقولة المأثورة للسيناتور الراحل دانيال باتريك موينيهان؛ "إن الحقيقة المحافظة المركزية هي أن الثقافة هي التي تحدد نجاح أي مجتمع وليس السياسة بينما الحقيقة الليبرالية المركزية هي أن السياسة بإمكانها تغيير الثقافة". والمفارقة هي أن فريق المحافظين الجدد بقيادة بوش هو الذي حاول أن يثبت أن الثقافة ليست ذات أهمية في العراق وأن الديمقراطية والحكم الذاتي وحدهما بإمكانهما جمع العراقيين معا لدفن الماضي،علي الرغم من تأكيد الليبراليين الواقعيين علي أن العراق هو بلد القبلية وعش الدبابير الذي لن يدفن سوي المستقبل. وعلي العراقيين استغلال الفرصة المتاحة ليقرروا مصيرهم في انتخابات 7 مارس القادم خصوصا وأن عدد القوات الأمريكية سيتقلص ليصبح 500 ألف جندي. وقد قابلت الجنرال راي أوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق ،والذي حاول هو ونائب الرئيس جو بايدن أن يبعدا العراقيين عن حافة الانشقاق قدر إمكانهم، فوجدته يشعر بالأمل والقلق في الوقت ذاته،إذ كان يشعر بالأمل لأنه رأي أن العراقيين يرجعون مبتعدين عن حافة الهاوية، لكنه يشعر بالقلق بسبب استمرار العنف الطائفي الذي يهدد بالعودة بقوة بسبب الانتخابات مع محاولة بعض الساسة الشيعة استبعاد بعض الساسة السنة من المشاركة في الانتخابات. ويقول أوديرنو أن العراقيين يجب أن يشعروا بأن الانتخابات شرعية وجديرة بالثقة وبأن الديمقراطية تسير في طريقها الصحيح كما يتمني ألا تقود الحملة الانتخابية إلي حدوث انقسام طائفي مضيفا أنه يخشي من أن يشعر البعض بأنه معزول سياسيا وليس له القدرة علي المشاركة والتأثير. ولكن كيف يحدث هذا والعراق غير قادر علي فرز قيادي شيعي قادر علي استخدام نفوذه في قيادة وطنه نحو مصالحة وطنية حقيقية بدلا من الهيمنة الشيعية، قيادي مثل نيلسون مانديلا يستطيع توحيد الشعب تحت عباءة واحدة؟ وقد تظل العراق متماسكة في حال اعترف كل طوائفه من سنة وشيعة وأكراد بموازين القوي الجديدة، وأن الشيعة هم القوة المهيمنة في العراق وأن صوتهم هو الأعلي،كما يجب أن يدركوا أن الخلاف لن يحل بالقوة وأن النزاعات السياسية لا يمكن أن تحل سوي بالسياسة. وهناك سيناريوهان لا يريد أحد أن يراهما في العراق، الأول؛ أن تنتصر الثقافة القبلية علي السياسة فتصبح العراق صومالا أخري لكن ممتلكة للنفط، والثاني هو؛ أن تتحالف الحكومة الشيعية مع إيران مع الانسحاب الأمريكي فتصبح إيران هي المتحكم الأول في العراق تماما مثل سوريا ولبنان. مرة أخري أعود لنفس السؤال المزعج..هل هي السياسة أم الثقافة؟ أنا أعتقد أن الثقافة مهمة للغاية لكن في النهاية يمكن تغيير الثقافة بدرجة أكبر مما نتصور لكن هذا التغيير يتطلب الوقت والقيادة والألم..لكنني أشك أن يدهشنا العراقيون بالإجابة عن الاستفهام الدائر عن هويتهم وطريقة العيش التي يريدونها.