نظمت لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة احتفالية بمناسبة الذكري الأولي لرحيل الروائي السوداني الكبير الطيب صالح، وقد حرصت أسرته علي أن تأتي من لندن لحضورها، في البداية أشار الدكتور عماد أبو غازي إلي أن الطيب صالح يمثل قيمة أدبية وفكرية وسياسية في الثقافة العربية والعالمية، حيث استطاع أن يخط لنفسه مكانة متميزة علي ساحة الأدب العربي والإفريقي من خلال كتاباته وإبداعاته التي امتدت إلي ما يقرب من نصف قرن، ارتبط خلالها بمصر وأحبها وأحبته. وتحدث الروائي خيري شلبي مقرر لجنة القصة قائلا: كان الطيب صالح أفقا مشرقا في مزاج الأدب "النهر نيلي"، حيث كان فياضا طوال المواسم، ولم يكن الفيضان يعني الغزارة في الإنتاج الفني، إنما هو فيضان في الخصوبة والعمل الواحد من أعماله يفوق العشرات التي يكتبها غيره، وكانت إبداعاته متدفقة بالخصوبة والعذوبة كمياه النهر، وتعرف جيدا كيف تشق طريقها إلي قلوب القراء أينما كانوا. وقال الدكتور عبد المنعم تليمة: الطيب صالح ابن من أبناء النيل البررة، الموسومين بسلامة الفطرة وعلو الموهبة، يمثل نتاج تفاعل الثقافتين العربية الإسلامية من جانب والإفريقية من جانب آخر، استطاع القفز بالرواية إلي هذه الجدلية. أما الناقد يسري عبد الله فقال: كان الطيب صالح معنيا بالعلاقة بين الأنا والآخر، وحاول نصه النزوع إلي ما يسمي بالمثاقفة الطوعية القائمة علي أحداث وتفاعل الند للند، ويتجلي ذلك في قصة "دومة ود حامد"، حيث تبدو الثنائيات بين الأنا والآخر، وبين الحداثة والموروث، وبين التقدم والتخلف، ويقوم النص علي الاختزال والتكثيف، واعتماد الفصحي والاحتفاء بنهايات النصوص التي تستطيع النفاذ إلي سيكولوجية القارئ. وألقي كلمة الأسرة محمد عثمان صالح فقال: الطيب صالح كان معتزا بعروبته، ولذلك قام بزيارة جميع أقطار العالم العربي من موريتانيا إلي جيبوتي، ولكنه كان مولعا بمصر بشكل خاص، وجذب إليه أصدقاء كثيرين علي مدي حياته. وفي جلسة الشهادات تحدث الروائي بهاء طاهر عن علاقته القوية بالطيب صالح، التي بدأت من خلال قراءته لقصصه القصيرة، حيث كان يكتب نوعا لا يعرفه الأدب القصصي في هذه الفترة، ثم تحول هذه المعرفة إلي معرفة شخصية في منتصف السبعينيات، عندما ترك طاهر العمل في الإذاعة، وظل يبحث عن عمل والتقي به في لندن وعزمه في أفخم مطاعمها، وكان يتميز بالكرم غير المفتعل، وكانت طبيعته أن يعطي أكثر مما يأخذ، كما أنه لم يكن يعرف النميمة أو الكذب. أكد طاهر أن الطيب صالح كان يتكلم عن يوسف إدريس بكل الحب، وكذلك كان يتكلم عن سماحة الإسلام وعن سماحة الشرق وعن الأخوة الإنسانية وسماحة التدين السوداني. أما الروائي يوسف القعيد فأشار إلي أنه عندما تم إصدار "موسم الهجرة إلي الشمال" ضمن روايات الهلال، كان علي الغلاف الخلفي كلمة كتبها جابرا إبراهيم جابرا، وهي الكلمة التي لعبت دورا أساسيا لا يقل عن دور رجاء النقاش في نشر هذه الرواية، حيث اعتبرت جواز مرور لأديب عظيم. وكان الطيب يتمتع بحفظ أبيات شعر المتنبي كلها ، و كانت له تركيبة خاصة، وأدرك أنه يفرق بين حبه للسودان كدولة وبلد وبين من يحكمونها وذلك علي الرغم من مصادرة روايته. كما ألمح القعيد إلي أن الطيب كان يتذوق الكلام قبل أن ينطقه، وكما كان لا يتحدث سوي عما يعرفه، كان أيضا لا يكتب سوي عما عاشه، وكانت الكتابة بالنسبة له نوعا من المتعة والعذاب، وفي 40 عاما الأخيرة من حياته كان لديه حنين لكتابة رواية أخري. كما أوضح القعيد أن مؤلفات الطيب التي ظهرت في حياته تثير مشكلة، حيث حدث في أعمال الطيب مثلما حدث ليوسف إدريس الذي لا تستطع أن تحدد ماذا نشر أو ماذا كتب، لأنه كان يغير في عناوين المجموعات وفي كيان العمل نفسه فكل مجموعة ليوسف إدريس لها علي الأقل ثلاثة عناوين وهذا بطبيعة الحال بالنسبة للطيب. كما طالب القعيد بضرورة أن يتم توثيق حقيقي لجميع مجموعاته ورواياته علي الرغم من أن في السودان لا يوجد من يعتني بذلك ، وإذا لم يكن هناك في السودان رغبة لذلك، فعلي المجلس الأعلي للثقافة أو لجنة القصة أو غيرها أن يتولي مسئولية توثيق أعماله لأنه لديه تجربة ثقافية شديدة الأهمية.