دعاني صديقي طبيب القلب المشهور الي لقاء بمنزله بالمقطم في الثامنة من مساء الخميس الماضي علي أمل لقاء بعض الأصدقاء في صحبة بعيدة عن الرسميات، قبلت الدعوة رغم حساسية الوقت المقترح وتداخله مع مباراة الأهلي مع حرس الحدود التي انتهت بالتعادل الايجابي بعد أن اتلفت أعصاب المشجعين الذين احتجبوا عن الشوارع أثناء الشوطين. كان لاحتجاب المشجعين وتجمعهم في المقاهي والبيوت أثر كبير علي الطريق من المهندسين حيث أسكن، وبين منطقة المقطم حيث يقيم صاحب الدعوة، كنت أقطع تلك المسافة في ساعات النهارفي أيام العمل المعتادة في نحو ساعتين الا قليلا من شدة الزحام وهول محاولة الخروج من منطقة المهندسين بعد الظهر أو في ساعات المساء المبكرة، لذلك قررت حتي أضمن الوصول في الموعد، وأحب ذلك كثيراً وأقدسه، أن انزل من بيتي قبل نهاية المباراة بخمس دقائق علي أمل الاكتفاء بمتابعة الموقف الحرج للمباراة في ذلك الوقت علي موجة الراديو التي تنقل الوصف والتعليق وتترك الصورة للخيال يصورها كيفما يشاء. يبدو أنني لم أكن الوحيد الذي هداه ذكاؤه الي تلك الفكرة، فكرة الخروج قبل نهاية المباراة ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة في منطقة المهندسين، فقد وجدت الزحام علي حاله وان كان أخف قليلا ، بالكاد أفلت وخرجت وحولي من كل جانب أصوات معلق الاذاعة علي المباراة التي لفظت أنفاسها الأخيرة وسط حسرة مشجعي الأهلي الذين فقدوا بالتعادل نقطتين ثمينتين في السباق، ولكن تلك الخسارة بالنظر الي الجانب الايجابي للموضوع كانت السبب في عدم انطلاق المشجعين الي الشوارع للتعبير عن الفرحة المعتادة عند كل فوز يحققه فريق الأهلي الأكثر شعبية في مصر، وبسبب التعادل وصلت الي المقطم قبل موعدي بعشر دقاتق كاملة، ولو فاز الأهلي في تلك المباراة لضاع علينا العشاء الفاخر الذي أعدته زوجة طبيب القلب المشهور، وكذلك صحبة أصدقائه من العلماء ونجوم المجتمع. حديث الزحام كان نقطة البداية عند وصول الضيوف تباعاً من أماكن متفرقة من القاهرة الكبري، كل واحد يبدأ الحديث بالزحام الذي عاني منه في طريقة ويتساءل عن آخرة هذا الزحام الذي يبدد الوقت ويتلف الأعصاب، طبعا لا توجد إجابة وليس المطلوب من أحد أن يقدم حلا للمشكلة التي تقف أمامها كافة الأجهزة المعنية عاجزة، لكنها مجرد فضفضة ونوع من العلاج النفسي الجماعي الذي يضفي علي المجموعة احساساً بالمشاركة وكأن كل واحد يواسي الآخر ويقول له يا أخي لست وحدك. أكثر الاجابات غرابة كانت اجابة تتهم الحكومة بالعجز المتعمد عن التصدي بقوة وعزم لحل المشكلات التي تؤرق الناس بدليل أنه حين تحدث أزمة ويصدر توجيه رئاسي بحلها فان المشكلة تتفكك ولو جزئيا، حدث ذلك مع مشكلة نقص المعروض من الخبز المدعم ومشكلة عدم توافر أنابيب البوتاجاز وأخيرا التوجيه الحازم بحل مشكلة القمامة المبعثرة في الشوارع. بنبرة واثقة تظهر واضحة من ضغط المتحدث علي الحروف متأنيا قال أحد الحاضرين: ياجماعة انها سياسة العشوائية، أي والله العشوائية، فلا توجد خطط أوبرامج أو معايير محددة تتبعها الحكومة المنقسمة علي نفسها فهي لا تعرف ماذا يريد الناس ولا ماذا تريد هي، وتساءل قائلا: كيف تشجع الدولة المرأة في كافة المجالات وتدفع بها الي المشاركة الايجابية في ظل سياسة معلنة لعدم التمييز ثم يعترض مجلس الدولة علي قبول المرأة قاضية فيه ، وعلي ماذا يدل هذا الاعتراض، وهل هو اعتراض مسبب أم أنه اعتراض وكفي.؟ أثار التساؤل موجة من الوجوم علي الوجوه، ربما دفع البعض الي مراجعة حساباته قبل المضي في الحديث الذي بدأ يسخن، ولم أجد لدي تعليق علي هذا الموضوع سوي ابداء المزيد من الدهشة من موقف الجمعية العمومية لمجلس الدولة خاصة أنه موقف مؤيد بأغلبية ساحقة، وقلت انني أنتظر حيثيات هؤلاء القوم الذين يتصدون في أحكامهم في أحيان كثيرة لتقدير جوانب من المصلحة العامة لها تأثير مباشر علي حركة المجتمع وفي أي اتجاه. نحن في حاجة حقاً لمعرفة كيف حدث التصدي للموضوع في مجلس الدولة وكيف تبلور الاتجاه المعاكس للتوجه العام للدولة التي رأت مصلحة عامة في تمكين المرأة وعدم التمييز ضدها. بصراحة شديدة يجب أن نعرف هل الموقف مبني علي أسانيد قانونية أم أنه موقف سياسي من الجمعية العمومية تكتلت وراءه بطريقة ما، وما مدي انعكاس ذلك علي أحكام مجلس الدولة المتعلقة بالمنازعات حول تمكين المرأة. طبعاً تداول الحاضرون تفسيرات أخري لموقف الجمعية العمومية لمجلس الدولة ولكني آثرت حجبها في أوراقي لحين الالمام الكامل بملابسات الموضوع حتي لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، مثلما تناولت التفسيرات والتحليلات الخلاف الذي نشب بين أعضاء مجلس الشعب وبين محافظ القاهرة وانتهي بتدخل رئيس الوزراء لايقاف قرار المحافظ بازالة تعديات ومخالفات هندسية لدي النائب وأفراد أسرته. السؤال البسيط الذي يتردد بين الناس عن الموضوع يتجه مباشرة الي رئيس الوزراء: هل هذه نهاية القصة أم أن لها بقية. بمعني هل سنعرف اذا كان المحافظ غلطان والنائب محق، أم أن المحافظ محق والنائب علي رأسه ريشة؟؟ أتوقف عند هذا الحد حتي لا أصبح فتانا وأنا لا أريد.