لأول مرة منذ أن بدأت الكتابة بجريدة روزاليوسف ومنذ إنشائها من خمس سنوات أجدني حائرة بين عدة موضوعات أراها مهمة ومرتبطة بأحداث قومية ترتبط بمستقبل الوطن.. وأري من واجبي أن أتناولها بالتعليق والمناقشة مع القراء.. وهذه الموضوعات المرتبطة باحداث مهمة هي: 1 - افتتاح المركز الإقليمي لتدريب الصحفيين بالمجلس الأعلي للصحافة والذي قام السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة بافتتاحه يوم الاثنين الماضي. 22 - قرار الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة في اجتماعهم يوم الاثنين الماضي أيضاً - ويالا المفارقة بين الحدثين، حدث افتتاح المركز الإقليمي للتدريب الصحفي يتطلع إلي مستقبل أكثر استنارة وتطوراً، والحدث الآخر يعود بنا إلي الوراء أكثر من خمسين سنة مضت حينما تخرجت عائشة راتب من كلية الحقوق من أوائل دفعتها وتقدمت للتعيين بمجلس الدولة الذي كان يرأسه في ذلك الحين الفقيه القانوني العظيم الدكتور السنهوري، ورغم انطباق الشروط عليها، وعدم وجود ما يحول وتعيينها قانوناً تم رفض تعيينها وكان المبرر وقتها مرتبطاً بظروف المواءمة الاجتماعية ولا أتصور أنه يمكن أن تكون اعتبارات المواءمة الاجتماعية هي المطروحة الآن بعد أكثر من خمسين عاماً مضت تغير فيها واقعنا وكثير مما كان غير مقبول في ذلك الحين أراها غدا طبيعياً الآن ونحن ندخل إلي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. هذا القرار الذي صوتت فيه أغلبية أعضاء الجمعية العمومية للمجلس برفض تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة. 33 - سلسلة الحوارات المهمة التي تنشرها جريدة روزاليوسف وحملت عنوان "حلم النهضة ليس مستحيلاً" وتدور حول التعليم الجامعي.. خاصة وأننا جميعاً نردد في كل زمان ومكان أن التعليم هو قاطرة التقدم والتنمية وأنه مشروعنا القومي - هكذا نقول دائماً - ونسعي بجهود حثيثة من أجل تحقيق الجودة في التعليم بشكل عام، والتعليم الجامعي موضوع الحوارات علي وجه التخصيص وخطورة هذه السلسلة من الحوارات التي أجراها الصحفي الشاب محمد الشرقاوي، ويظهر فيها بوضوح رؤية الجريدة ورئيس تحريرها واهتمامها بهذا الموضوع، خاصة أن هذه السلسلة التي يمكن اعتبارها حملة صحفية ساندها رئيس التحرير بسلسلة من مقالاته نشرها في اطار عموده المتميز "ولكن"، كما شارك فيها عدد من كتاب الصحيفة بآرائهم وتعليقاتهم ومداخلاتهم المهمة، لاسيما وأن الجريدة تستكتب - ومنذ صدورها - عدداً من أساتذة الجامعات.. ونظراً لهذه الحيرة التي شغلتني طيلة الأسبوع الماضي، حول الموضوع الأولي بالتعليق عليه من جانبي، رأيت أن أقدم بعض التعليقات السريعة عليها جميعاً، علي أمل أن أعود للكتابة عليها مرات أخري بشكل أكثر تفصيلاً.. وأود أن أبدأ بموضوع افتتاح أول مركز إقليمي للتدريب الصحفيين في مصر، لعدة أسباب، أولها عضويتي - التي أشرف بها - بالمجلس الأعلي للصحافة، وثانيها عضويتي بلجنة التدريب التي أنشأها لأول مرة - في هذه الدورة - ذلك الرجل ذو الرؤية الثاقبة المتعمقة الذي اعتاد دائماً في كل موقع تولاه دون مبالغة أو مجاملة هو ليس في حاجة إليها من أي شخص كان لأن اسهاماته وإضافاته شاهدة حية علي تلك الرؤية وذلك الجهد الدءوب والحلم دائماً بأن يترك في كل موقع تولاه بصمات حقيقية ترتبط بالقدرة علي استشراف المستقبل والاستعداد لمتغيراته ومتطلباته أعني طبعاً السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة. فلقد كان واعياً بحتمية التدريب للصحفيين ونحن نعيش عصر المعلومات والعولمة وعلينا أن نتفاعل مع ثورة تكنولوجيا الاتصال ونواجه كاعلام مصري مطبوع ومرئي ومسموع والكتروني - متطلبات المنافسة وتحدياتها، من هنا أنشأ هذه اللجنة برئاسة الكاتب الصحفي لويس جريس وانتقي لها عدداً من الأعضاء من ثلاثة من الأكاديميين أساتذة الإعلام الأعضاء في المجلس، فضلاً عن عدد من القيادات الصحفية، وعلي مدي اجتماعات اللجنة كان هناك اهتمام بضرورة أن تكون عملية التدريب منظمة وفق خطة مدروسة ومبنية علي دراسة الاحتياجات التدريبية للصحفيين علي اختلاف فئاتهم ومستويات خبرتهم، وأن تكون هناك آلية تقوم بذلك، من هنا كانت مبادرة السيد صفوت الشريف بإنشاء هذا المركز الجديد. وثالثاً أسباب اهتمامي بهذا الحدث المهم المتمثل في افتتاح المركز، هو أنه كان أحد أحلامي كباحثة في الصحافة، تخصصي الرئيسي الذي أعطيته سنوات من عمري هو سياسات الاتصال وفي هذا المجال أعددت رسالتي للدكتوراة التي تمت إجازتها في عام 1982 ، وكان من أهم ما اقترحته في ذلك الحين - بعد دراسة لواقع الصحافة والإعلام في مصر من عام 1952 وحتي بداية الثمانينيات ضرورة إنشاء معهد أو مركز قومي للتدريب في مصر يقوم بالتدريب علي المستوي القومي ولا يقتصر دوره علي تدريب الصحفيين والإعلاميين فقط بل يمتد ليشمل تدريب الفنيين والتقنيين والإداريين والمتخصصين في تخطيط الصحافة والاتصال وتطويرها بشكل مستمر، ويقدم برامج علي عدة مستويات تأهيلية ولتجديد المعلومات، وتعميق المعلومات المتخصصة وبرامج للتدريب المتقدم. فالملاحظ أن هناك العديد من الجهات التي تقوم بتدريب الصحفيين والإعلاميين في مصر بعضها داخل المؤسسات الصحفية والإعلامية في مصر، وبعضها أكاديمي مثل كليات الإعلام وبعضها يدخل في إطار برامج تنمية القدرات في مجالات متخصصة تقوم بها منظمات المجتمع المدني (مثل البرامج الخاصة بتطوير الخطاب الصحفي الموجه للمرأة أو الخاص بالبيئة أو حقوق الإنسان أو تغطية الانتخابات ومراقبتها إعلامياً، وبعض هذه البرامج تقوم به مراكز تدريب خاصة أو مراكز تدريب عالمية.. وبالطبع ينفق علي هذه البرامج التدريبية مبالغ ضخمة، وتتطلب وقتاً من المتدربين - أحياناً تري بعض القيادات الصحفية للأسف إنه غير مجد، وقد ترشح لبعض البرامج التدريبية المهمة بعض من لا عمل حقيقي لهم لسبب أو لآخر - ويظل السؤال المهم الذي أتمني أن يكون من أسس إدارة المركز الجديد: ما هو عائد هذا التدريب علي الأداء الصحفي لمن تدربوا بالفعل؟ والإجابة عليه ستكون كفيلة بتغيير بعض الاتجاهات السلبية نحو التدريب من جانب بعض الصحفيين أنفسهم أو بعض قيادات العمل الصحفي.. وهذا بالفعل يقتضي وضع مواصفات وشروط للمتدربين في كل برنامج حتي نطمئن إلي أن المتدرب هو المستهدف فعلاً وأن تدريبه سيؤثر إيجاباً علي مستوي الأداء الصحفي لصحيفته، ويحتاج أيضاً إلي تصميم برامج لقياس عائد التدريب وجدواه بشكل علمي ومدروس.. أما الموضوع الخاص بقرار الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة الخاص بعمل المرأة كقاضية في مجلس الدولة ذلك القرار الذي وافق عليه أكثر من 80٪ من الأعضاء، فقد كانت مفاجأة غريبة اثارت جدلاً واسعاً، لاسيما أن هذا المجلس هو مظلتنا جميعاً - رجالاً ونساء - الذي سنلجأ إليه ويلجأ إليه كل شخص يشعر بالغبن والتمييز وعدم تكافؤ الفرص في ظل دستور يساوي مساواة كاملة بين الرجل والمرأة وقوانين لا تميز في مجملها - عدا استثناءات قليلة للغاية نحن بصدد تطويرها وتعديلها - بين المصريين علي أساس الجنس أو الجاه أو أي سبب آخر.. والغريب أن يصدر هذا القرار في وقت تعرض فيه مصر تقريرها الخاص بحقوق الإنسان من خلال وفد يرأسه د. مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية، تؤكد فيه علي احترامها لحقوق الإنسان في ظل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومنع التمييز... والأغرب تلك المبررات التي ساقها بعض مستشاري المجلس ممن أدلوا بتصريحات أو طرحوا رؤيتهم عبر بعض وسائل الإعلام خاصة الفضائيات، والتي نكشف في رأيي علي أن هناك الكثير في ثقافتنا السائدة ليس بين العامة وحدهم بل وبعض أفراد النخبة المثقفة يحتاج إلي مراجعة وعمل جاد.. وكأننا نعود إلي نهايات القرن التاسع عشر الذي شهد بدايات عصر التنوير والنهضة في مصر من خلال مبادرات اجتماعية وثقافية قادها مثقفون مصريون - من الرجال اغلبهم - وكانت المرأة وحقوقها ونظرة المجتمع لها واحدة من أهم هذه المعارك ولاسيما تلك المعركة التي خاضها قاسم أمين بعد صدور كتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة". إن الموضوع في رأيي - أخطر من مجرد قرار برفض تعيين المرأة قاضية، لأنها بالفعل أصبحت قاضية، بل وفي المحكمة الدستورية العليا نفسها.. ولكن الخطورة أن يكون هذا أسلوب تفكير بعض من النخبة المصرية في مستقبل وطن يتطلع إلي المستقبل.. وأصل إلي آخر ما وددت أن اعلق عليه هذا الأسبوع وأعني سلسلة الحوارات المثيرة للجدل - والتي مازالت مستمرة بعنوان "حلم النهضة ليس مستحيلاً"، وما أثار دهشتي أن موضوع مرتبات أعضاء هيئة التدريب - ولن أقول دخلهم الفعلي فهذه قضية أخري يطول شرحها - كان المسيطر علي معظم ما طرح في إطار رؤية تقول إن عاملاً أساسياً من عوامل الوضع الراهن لمستوي التعليم الجامعي في مصر الذي لا نرضي عنه جميعاً - سواء المجتمع أو حتي الجامعة نفسها قيادة وأساتذة وطلاباً هو المرتبات.. وطبعاً أنا أستاذة بالجامعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأعيش نفس الظروف - واضطررت للسفر للعمل بإحدي الجامعات العربية لفترة حددتها لنفسي ولم أتجاوزها لم تزد علي ثلاث سنوات - إلا أنني في حقيقة أري أن هذا التوصيف ليس دقيقاً لأسباب متعددة، فالمشكلة مركبة ومعقدة ومرتبطة بنوعية الطالب نفسه الذي يعتبر أحد مدخلات العملية التعليمية، ومن الضروري هنا أن نتحدث عن سياسات التعليم ما قبل الجامعي والمتغيرات المتصلة بذلك، علينا أن نتحدث أيضاً عن الاعتبارات الخاصة بالمجتمع والنظر إلي التعليم والشهادات الجامعية كغاية وليس كوسيلة لبناء إنسان عصري قادر علي التفاعل والتعامل مع متغيرات داخلية وخارجية سريعة ومتلاحقة.. وأنا في الوقت ذاته - وبحكم عملي كقيادة جامعية منذ أكثر من 15 عاماً - أعي جيداً الضغوط الكثيرة الملقاة علي عاتق أستاذ الجامعة وفي الوقت نفسه ادرك وأفهم ما ينتظره المجتمع منا وربما أكون مثالية - بعض الشيء - لهذا فإنني لا أسلم بشكل مطلق بما يردده البعض داخل الجامعة وخارجها بأن الجامعة هي مرآة للمجتمع وجزء منه تعاني ما يعاني.. إذ إنني أراها الحصن الذي يحلم المجتمع بأن يحتمي به من سلبيات وواقع سيئ في بعض الأحيان، علي الجامعة بكل منتجاتها من خريجين وبحوث واسهامات مجتمعية في خدمة المجتمع وتنميته أن تواجهه، لا أن ترضي بأن تكون جزءاً مستسلماً لهذا الواقع.. الجامعة ينبغي أن تظل منارة التنوير والتغيير.. وسوف أعود لمناقشة هذه الحوارات المهمة مرة أخري لايماني بأنها تأتي في وقتها، وأن علينا أن نأخذها مأخذ الجد.. فالعالم يتقدم بسرعة ولا ينبغي أن نتراجع عنه فعدم تحركنا وبقاؤنا في مكاننا يعني بالضرورة التراجع والتقهقر فهل نستسلم لذلك؟!