أحكام حبس الصحفيين.. هل هي «فاتح شهية»؟ 1 - جاءت الضربة هذه المرة للصحفيين بعيدًا عن الدولة والحكومة، جاءت من الفنانين الذين اتهموا بالشذوذ، وجاءت أيضًا من الزميل مصطفي بكري ضد رئيس تحرير صحيفة «الموجز». - إذًا.. لا وقت للبكاء أو النضال أو تشييع حرية الصحافة إلي مثواها الأخير، فالصحفيون هم الذين فعلوا ذلك بأنفسهم، ولم يصدقوا أبدًا أن لصبر المجتمع علي تجاوزاتهم حدودًا. - القادم أسوأ، وإذا تسامح المتضررون وتصالحوا مرة، فلن يقبلوا ذلك في مرات أخري، لأن بعض الأقلام تحولت بالفعل إلي ما يشبه مطواه «قرن غزال». 2 - لا يستطيع أحد أن يجبر الزميل مصطفي بكري علي التصالح والتنازل، لأن التجاوزات التي حدثت في حقه كثيرة وامتدت لشهور طويلة، ووصلت إلي درجة لا يمكن قبولها. - وقفت النقابة - التي تحاول التصالح الآن - عاجزة عن فعل أي شيء، مثل «خيال المآتة» الذي يضعونه في الحقول، فلا يخيف الغربان ولا العصافير. - النقابة - في رأيي - سبب أساسي في تجاوزات الصحافة وانحرافها، لأنها «لا تهش ولا تنش»، وتنحاز في الغالب للصحفي ظالماً كان أو مظلوماً، وكأن علي رأسها بطحة. 3 - لا يستطيع أحد أن يجبر الفنانين الذين اتهموا بالشذوذ علي التنازل والتصالح، وأشعر بالأسف والندم كلما أستمع لعبده مغربي في الفضائيات يناور ويسوف ويكابر. - القضية لا تقبل المزايدة، فإما أن يعترف بالخطأ بصراحة وبشجاعة تساوي جرأة النشر، أو لا يعترف ويدخل السجن مرفوع الرأس والعنان. - أما مسك العصا من الوسط في هذه القضية فلا يجدي ولا ينفع، لأن صحافتنا تفتقد جرأة الاعتذار، ولكنها تمتلك جرأة القذف والسب والتطاول علي الأبرياء. 4 - رغم ذلك، أتمني أن تكون هناك مبادرة جادة وجريئة من الزميل مصطفي بكري والفنان نور الشريف وزملائه، ليضعوا الأسرة الصحفية أمام مسئولياتها الجسام. - مبادرة يكون الرأي العام شاهدًا عليها، حتي إذا وقع صحفي آخر بصحيفة أخري في نفس الخطأ، فلا يلومن إلا نفسه. - مبادرة تقوي شوكة النقابة، لعل وعسي تخرج من ضعفها وخنوعها وتحاسب المخطئ والمسيء، دون أن تتذرع بأسباب واهية لتبرير الأخطاء الجسام. 5 - بالفعل، حرية الصحافة في خطر، نتيجة بعض الممارسات المشينة التي يرتكبها بعض أعضائها، وللأسف هي صحف صغيرة ومجهولة، وتخرج عن السياق العام. - صحف تستخدم أسلحة التشهير والابتزاز، ومن لا يصدق عليه أن يزور أحد باعة الصحف في وسط البلد، ليري أهوالاً وأهوالاً علي الفرشة التي تستعرض المانشيتات. - كيف ظهرت كل هذه الصحف، ومن يحاسبها، وهل يمكن أن تتحمل الصحافة المصرية العريقة أخطاءها وخطاياها؟.. وإلي متي يستمر العبث تحت ستار حرية الصحافة؟ 6 - القضاء قال كلمته، وهو لا يعرف الهزل أو الميوعة، وأخشي أن تكون الأحكام الأخيرة بحبس الصحفيين هي بمثابة فاتح شهية، ليأتي بعدها آخرون وآخرون. - إذا حدث ذلك - وهو المتوقع - فلن تنفع وساطة ولا اعتذار ولا تسامح ولا نقابة، وربما يشعر الصحفيون لأول مرة بأجواء الخطر الحقيقي. - إذًا.. المقصلة لابد أن تتوقف، وأن يكون لدي الأسرة الصحفية القدرة والمقدرة علي حساب نفسها بنفسها وأن تفّعل آلياتها، بدلاً من أن يأتي العقاب من الخارج. 7 - القادم أسوأ، لأن أحكام الحبس سوف تشجع آخرين علي اللجوء للقضاء لأخذ حقوقهم، وهذا في حد ذاته عبء ثقيل لا تقدر معظم الصحف المسيئة علي تحمل تبعاته. - في فترة من الفترات كان الصحفيون يذهبون إلي النيابات والمحاكم في زفة الأحرار المناضلين، الذين «جابوا ديب حرية الصحافة من ديله» والآن لا زفة ولا نضال. - كانوا يناضلون ضد الحكومة والدولة، ويمارسون ضدهما أسوأ أنواع الابتزاز، والآن ارتفعت الدولة فوق الصغائر، وتركت المجتمع نفسه يواجه المشكلة المزمنة. 8 - «النقابة.. النقابة.. النقابة».. وأمامها التقارير الخطيرة التي يصدرها المجلس الأعلي للصحافة، وترصد أخطاء وتجاوزات مختلف الصحف قومية وحزبية وخاصة، ولكن لا أحد يقرأ. - كان من المفترض أن تدعو النقابة إلي ندوة لمناقشة هذه التقارير واستخلاص النتائج منها، بدلاً من ندوات الاحتقان والافتعال الكاذب التي تزيد المشكلة تعقيدًا. - المجلس الأعلي للصحافة، ليس له صلاحيات أو سلطات علي الصحافة، ولا يريد أن يمارس دور المفتش العام علي الصحف، هو فقط يشخص الداء ويصف الدواء. 9 - نعم.. القضاء هو خط الدفاع الأخير عن القانون، ولكنه ينحاز في أحكامه لمناصرة المجني عليهم.. وضحايا الصحافة كثيرون.. ضحايا صحافة الابتزاز والشتائم وهتك الأعراض. - نعم.. الأخطاء قليلة مقارنة بالدور الوطني الذي تلعبه الصحافة المصرية التي تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي، ولا يقترب منها أحد، وتتسع دائرة انتشارها. - لكن الخوف.. كل الخوف من الصحافة الشاردة التي تعكر صفو المهنة العظيمة.. التي يجب أن ينقذها أبناؤها. E-Mail : [email protected]