لغويا التعصب مصطلح اشتقاقي من لفظ عصب وقد درج الحس الشعبي علي وصف الشخص الذي لا يستطيع التحكم في انفعالاته بأنه عصبي و»من الاشتقاقات اللغوية أيضا لمصطلح التعصب لفظ عصبه بضم العين هذا غير الكلمة المعروفة لدينا جميعًا وهي كلمة عصابة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معني لا يغيب عن ذوي الألباب ويلاحظ أن غالبية الفروع اللغوية من هذا المصطلح لا تعطي انطباعًا إيجابيا بل أنها جميعًا تصب في قنوات سلبية من المشاعر والأفكار والأفعال. وللتعصب ملامح وصفات كما أن له أسبابًا ودوافع قد يكون بعضها مفهومًا وإن كان غير مقبول أو مبرر وللشخص المتعصب أيضا صفات وملامح ذاتية ونفسية كما قد يكون التعصب في نطاقه الخاص وقد يغلب ويصبح في النطاق العام وقبل كل هذا التعصب في أحيان كثيرة يكون بمثابة رد فعل لتعصب مقابل مما يجعل الجميع يدور في دائرة لا تنتهي من الفعل ورد الفعل المقابل ويصبح بعدها رد الفعل هو فعل يستلزم رد فعل وهكذا. وللبحث في خصائص وصفات التعصب يدفعنا لبحث ملامح الأرضية الخصبة التي يستطيع أن ينمو التعصب فيها والملاحظ أن التعصب لا ينمو ولا يستطيع أن يعيش إلا في بيئة ذات طبيعة عاطفية أكثر منها بيئة عقلانية. فتغليب العاطفة علي الفعل هو أول وأبرز ملامح صفات المجتمع المتعصب والعقلية المتعصبة.. فعندما يغيب العقل تحل العاطفة مكانه علي الفور والعاطفة بطبيعتها لا تخضع لعقال المنطق علي عكس العقلانية التي تبحث في الأسباب كما تبحث في النتائج. وقد يخطئ الكثيرون في الظن بأن التعصب قاصر علي فئة بدون غيرها أو علي أصحاب دين أكثر من غيره بل الشاهد للعيان أن التعصب طالما وجد البيئة المناسبة لترعرعه فسوف ينمو ويزدهر زهره أيا كان دين أو مبادئ متعنقيه وليس هذا معناه أن الأديان شرط للتعصب أو أنها وبمعني آخر هي السبب الوحيد له هذا غير صحيح علي الإطلاق فقد يكون التعصب هو إحدي السمات الخاصة بأيديولوجية معينة يدور معها حيث تدور فلقد قرأت مؤخرًا لأحد الكتاب المرموقين في مصر أنه طوال حياته لم يجد أسوأ من الشيوعيين تعصبًا وتشنجًا في حواراتهم من قلة قراءاتنا للتاريخ ومن الانعدام التام لتعلمنا لدروسه قد لا يعرف الكثيرون أن أصحاب الديانة الواحدة عرفوا التقاتل والتناحر والحروب بينهم سنوات طوالاً وأن أصحاب الدين الواحد قد قتل بعضهم البعض أعداد قد تتعدي أحيانًا أعداد القتلي من حروبهم مع خصومهم فالتعصب بطبيعته كما أنه لا يعترف بحق الاختلاف مع الآخر لا يعترف ولا يتصور حق الاختلاف مع الذات ودون ذكر أو الدخول في أمور دينية لا محل لها في حديثنا نذكر أولي الألباب بالحروب الطاحنة التي دارت بين المسلمين السنة والشيعة وبالحروب التي دارت بين الكاثوليك والبروتستانت. يجب أن نعترف إن كنا بصدد كشف عوار هذا المجتمع بغية إصلاحه يجب أن نعترف أننا نسبح جميعًا في بحار من التعصب يتغذي علي معين لا ينضب من خطاب إعلامي وفضائي لا هم له إلا غرس قيم الغرور بالمعتقدات الموروثة في الأساس يتغذي التعصب من معين لا ينضب من خطاب اجتماعي يعلي من شأنه في جميع مناحي الحياة فالتعصب أولاً للمذهب أو الملة ثم الدين في عمومه هذا غير التعصب الأول للأسرة ثم القبيلة ثم المحافظة ولازلنا حتي يومنا هذا ونحن في نهاية العشرية الأولي من القرن الواحد والعشرين لا يزال هناك من يزهو ويفخر بأنه من محافظة كذا ولا يزال بيننا من يتعالي علي الآخرين بأنه من هذه الأسرة أو تلك رغم أنه لا يد له فيما هو عليه من هذا الانتساب بما فيه الانتساب للدين الذي ولد فوجد نفسه معتنقه. الحديث عن التعصب حديث لا ينتهي ولا يجب أن ينتهي إلا بعد أن نحاصر هذا الخلق الرديء في أضيق حدود حتي يشعر المتعصبون بأنهم هم الأقلية الحقيقية في مجتمع يعلو فيه شأن الاختلاف الذي هو فطرة إنسانية في المقام الأول.