مرة أخري نكمل الحديث عن حماية الآباء للأبناء بطريقة مبالغ فيها تمنع الأبناء من استكشاف الحياة بأنفسهم واختبار تجاربها وتكوين خبرات شخصية واقعية لهم تعينهم علي اجتياز صعوبات الحياة وتمكنهم من التعامل مع المجتمع علي اختلافات أفراده.. والمثل الذي ذكرته بالأمس عن الرجل الطيب الذي ساعد الفراشة للخروج من شرنقتها بقص الشرنقة، فخرجت الفراشة ضعيفة الأجنحة ولم تستطع الطيران، يعطي فكرة جيدة عما نصنعه لأبنائنا وما نسببه لهم من مشقة ونحن نتخيل أننا نساعدهم.. والأمثلة من حولنا كثيرة جدا جدا وبخاصة في مجال الدراسة.. وبسبب أننا لا نعطي لأبنائنا حق قدرهم ونعتقد خطأ أنهم لا يستطيعون الاعتماد علي أنفسهم في السنوات الأولي في الدراسة، أجد كثيرات من الأمهات من حولي يجتهدن في دروس أبنائهن أكثر مما يجتهدن في تحفيز الأبناء علي التفاعل مع المدرسة والدروس.. فهن يتولين إخراج الكتب من الشنطة المدرسية للابن، ثم تبحث الأم عن الواجبات المدرسية بنفسها وتري ما ينبغي عمله وتجلس بجانب الطفل ممسكة بيده ليكتب الواجب المدرسي.. وتحفظ معه الدروس وتذاكرها وتترك بعض مسئولياتها أو ترهق نفسها بهذا وذاك لتتولي مسئولية الابن بدلا منه.. وأعرف كثيرات من الأمهات يقمن بمراجعة الجدول الدراسي كل ليلة لوضع الكتب التي تتفق وحصص اليوم التالي!! وهذا في اعتقادي خطأ كبير يؤدي إلي كارثة في شخصية الابن الذي حتما سيصير متواكلا وسلبيا ولن يبادر بعمل شيء في وجود أم تتولي كل المسئوليات.. فلماذا يسأل عن الواجب وأمه تعرف كل شيء؟ ولماذا ينتبه للدرس في المدرسة وهي سوف تذاكر معه كل شيء؟ والأخطر من هذا أن مثل هذا الطفل الذي لم يتحمل مسئولية وضع كتبه في الشنطة مثلا سوف يطالب عندما يكبر بتحمل مسئولية أسرة بكاملها! كيف لإنسان لم يخطئ، ولم يعاقب علي خطئه وهو صغير أن يحاسب عندما يكبر؟ وهل سيتقبل أصلا أن يلقي أي نقد وهو الذي لم ينتقد في صغره.. السؤال هو: أيهما أفضل أن أترك ابنتي تقوم بمسئولياتها وهي صغيرة وأتركها تخطئ وتتعلم من أخطائها فتصبح أكثر حرصا وتفتحا وتركيزا؟ أم أن أستمر في تقديم المساعدة لها حتي تظهر مثالية أمام الناس وأنا أعلم أنها لن تستطيع وحدها القيام بشيء وأن تفوقها الظاهري ما هو إلا نتيجة اجتهادي أنا كأم تقوم بمسئوليات تلك الابنة؟ أليس من الأفضل أن تعاقب لأنها نسيت كتابها مرة أو لم تذاكر دروسها كما ينبغي وهي صغيرة، من أن تتهاوي في تحمل مسئولياتها كزوجة وأم عندما تكبر؟ هذا وتزيد الخطورة بسبب الأنانية المطلقة التي تتنامي عند الطفل من جراء الاهتمام والرعاية المبالغ فيها من قبل الآباء من ناحية، والنجاح الظاهري للطفل من ناحية أخري.. فماذا ننتظر من شخص تتلخص طفولته في أنه محور الاهتمام الكلي من أسرته، ولا يخطئ في واجب ولا في درس في مدرسته؟ هل سيقبل مثل هذا الشخص أي توجيه أو نقد عندما يكبر؟ أليس من الأفضل أن نتركهم يختبرون ويخطئون ومن ثم يتعلمون؟!