في الوقت الذي توقف فيه الحديث داخل إسرائيل عن ضربة تبغي القيام بها ضد المنشآت النووية الايرانية فإن الرئيس الفرنسي ساركوزي تحدث عن هذا الاحتمال باعتباره أمراً متوقعا ثلاث مرات مع سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني خلال لقائهما في باريس. المرة الأولي حينما كشف أن الفرنسيين هم الذين كشفوا موقع قم الذي يقيم فيه الإيرانيون منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم خشية أن يقوم الإسرائيليون بتوجيه ضربة عسكرية لإيران وقطع الطريق عليهم في هذا الصدد. والمرة الثانية كان الرئيس الفرنسي مباشراً حينما تحدث عن اعتقاده ان إيران تقوم بتطوير قنبلة نووية وأن إسرائيل قد تقوم بعمل ما لمنع إيران من الحصول علي القنبلة النووية لأنها مدركة أن إيران تريد إزالتها من خريطة العالم.. أما المرة الثالثة التي تحدث فيها ساركوزي عن هذا الأمر فقد كان خلال حديثه عن موضوع السلام في الشرق الأوسط وشرح أسباب دعوته لعقد مؤتمر سلام في باريس، فقد قال إنه يريد دفع السلام لأن الأمور أصبحت خطراً في منطقة تواجه خطر ضربة إسرائيلية لإيران. وهكذا.. لم يرد حديث ساركوزي للحريري عن الضربة العسكرية لإيران عفواً، وإن كرره لا مرتين وإنما ثلاث مرات، مما يعني أن الرئيس الفرنسي لديه اعتقاد، بناء علي ما في حوزته من معلومات، أن الإسرائيليين لم يتخلوا عن فكرة هذه الضربة، وأنهم مازالوا راغبين فيها وعازمين عليها، أي أن هذه الضربة قادمة إذا لم يتم ايجاد حل سياسي سلمي لمشكلة الملف النووي الإيراني. والمثير أن ساركوزي يتحدث عن الضربة العسكرية الإسرائيلية بهذا الشكل في الوقت الذي توقف الإسرائيليون أنفسهم عن الحديث عنها واستبدلوا هذا الحديث بحديث عن تشديد العقوبات علي إيران.. فهل الرئيس الفرنسي يكشف بحديثه هذا عن نوايا إسرائيلية حقيقية لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية أم أن هذا الحديث يأتي في اطار ممارسة الضغوط علي الإيرانيين حتي يقبلوا بالعرض الخاص بتخصيب اليورانيوم الذي يمتلكونه خارج إيران، وهو العرض الذي قالت الوكالة الدولية أنه مازال مطروحاً علي الإيرانيين؟! المؤكد أن الإسرائيليين يرغبون في النيل من إيران ويبغون منعها من امتلاك سلاح نووي أو حتي امتلاك معرفة نووية متقدمة.. لكن قيامهم بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية يحتاج لحسابات عديدة، تراعي أولا عدم اعتراض الولاياتالمتحدة، وتراعي ثانيا ضمان الحصول علي دعم ومساندة لوجستية أمريكية، وتراعي ثالثا النتائج المتوقعة لمثل هذه الضربة بالقياس لما سوف قد يلحق بإسرائيل من أضرار إذا ما رد الإيرانيون علي هذه الضربة بضربات للمدن والمنشآت الإسرائيلية.. لذلك فان اتخاذ قرار إسرائيلي يحظي بموافقة أمريكية، أو علي الأقل عدم اعتراض أمريكي يحتاج لدراسة، ولن يكون قراراً متعجلا، خاصة وأن ثمة تقارير كثيرة تشير إلي أن أي ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية لن تقضي علي البرنامج النووي الايراني وإنما سوف تؤخره فقط بعض الوقت طال أو قصر، ولعل هذه هي قناعة القادة العسكريين الأمريكيين ذاتهم. لكن في ذات الوقت فان الرغبة الإسرائيلية لمنع الإيرانيين من التقدم في برنامجهم النووي كبيرة وجامحة، فضلا عن أن رد فعل إيران قد يساعدهم علي الإفلات من محاولات دفعهم الي مائدة المفاوضات والالتزام بحل للمشكلة الفلسطينية، قد يجعلهم ينسحبون من أراض لا يريدون تركها. ومن هنا قد لا تنطبق الحسابات العقلية وحدها والمنطقية علي القرار الإسرائيلي. كما قد لا يهتم الاسرائيليون أيضا بالحصول علي موافقة أمريكية، فربما كانوا يرغبون في توريط الأمريكان ذاتهم في صراع مسلح مع الإيرانيين، خاصة وأن الأمريكيين لن يسكتوا علي أي رد فعل عسكري إيراني تتعرض له اسرائيل بعد أن تقوم بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وربما هذا ما يدركه الرئيس الفرنسي جيداً. ثم لا ننسي أن أحد المسئولين الإسرائيليين قال مؤخرا في معرض تناوله لمسألة توجيه ضربة عسكرية لإيران.. أن أفضل توقيت لعمل شيء هو أن يتوقف الحديث عنه.. والآن توقف تقريباً الحديث الإسرائيلي عن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.