حتي يومنا هذا لم تكن هناك دراسة شاملة تتتبع تطور العلاقات الألمانية-العربية في الفترة ما بين 1933 و1945 ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، وتحمل نظرة نقدية للأيديولوجيات المشتركة والجهود الاستراتيجية المتضافرة بين الرايخ الثالث والشرق الأوسط خلال هذه الحقبة، وقد جاء الكتاب التي قام بتأليفه المؤرخان الألمانيان مارتن كابرز ، وكلاوس مالمان ، ليسد هذه الفجوة التاريخية. وأكد المؤلفان في الكتاب الذي حمل عنوان " الهلال الخصيب والصليب المعقوف " ، أن العلاقة بين هذين الطرفين - ألمانيا النازية والعرب- قامت علي أساس الكراهية لثلاثة أعداء مشتركين : اليهود ، الأنجلو-أمريكان و البولشفيين (الروس). وقد تأكد التعاون بينهم ، والذي بدأ بإرسال الأسلحة والتمويل الألماني للعام العربي قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية ، عندما شرع الرايخ الثالث في مد فتوحاته في الشرق الأوسط. ويروي الكتاب أن فلسطين كانت منذ عام 1929 ساحة للمواجهات الدامية بين العرب واليهود ، وقد ساهمت الكراهية المشتركة تجاه ال"يتشوف" ، الجالية اليهودية التي بدأت في التكون في فلسطين في ذلك الوقت ، في تعزيز التقارب بين العرب والنازيين ، حيث كانت السياسة الخارجية الألمانية تدعم بطريقة غير مباشرة الوطنيين العرب ، الذين وجدوا بدورهم في النازيين حلفاء قادرين علي مساندتهم في نضالهم من أجل التحرير. وقد تحول هذا التحالف الاستراتيجي إلي نوع من ال"تواطؤ الايديولوجي" ، فابتداء من عام 1938 ، ظهرت في مصر وسوريا وليبيا ودول عربية أخري مقالات صحفية ومؤلفات تقارن الفوهرر هتلر بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، كما أعلن الحسيني ، مفتي القدس وقائد العرب في فلسطين ، دعمه غير المشروط للنازيين خلال الحرب ، وإدانته لبروتوكولات حكماء صهيون ، وهي الوثائق التي اتضح انها مزورة من قبل الشرطة الروسية . وكان رسو القوات الألمانية التي عرفت ب"فيلق أفريقيا " في ليبيا عام 1941 ، بداية التدخل المباشر لألمانيا في الشرق الأوسط . وإذا كان الهدف المعلن لهذه الحملة هو هزيمة البريطانيين، إلا أن، هذه القوات سعت أيضا لمواصلة مابدأته في أوروبا من إبادة لليهود في فلسطين . إلا أن القدر لم يمهلهم الوقت لتحقيق هذا الهدف الخفي بعد الهزيمة في معركة العلمين .وقد استعان كابرز ومالمان بسجلات ومستندات ألمانية تاريخية تؤكد أن التعاون بين العرب وألمانيا لم يتوقف بعد هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية ، بل امتد بعد ذلك بسنوات طويلة حاولت فيها ألمانيا تجنيد عملاء من العرب ومسلمي أوروبا الشرقية للتغلغل داخل الشرق الأوسط .