شهد الأسبوع الأخير من عام 2009 تظاهرة ثقافية وفنية في القاهرة تمثلت في الأسبوع الثقافي الفلسطيني بمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية وتضمن برنامج الاحتفال محاضرة حول واقع المسرح الفلسطيني شاركت فيها بدعوة كريمة من الصديق الدكتور عماد أبوغازي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة. والمتأمل لمسيرة المسرح الفلسطيني يجد أنه منذ بداياته الأولي وحتي الآن يعيش ظروفا استثنائية غاية في الصعوبة من الانتداب البريطاني إلي النكبة ومنها إلي النكسة وصولاً إلي مرحلة أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية حيث واجه هذا المسرح علي مدار تاريخه مرارة قوانين الاحتلال وأوامره الرقابية المتعسفة فرغم عدم تشجيع سلطات الانتداب البريطاني للمسرح الفلسطيني في بداياته إلا أن النشأة كانت قوية وشهدت نشاطاً وازدهاراً حيث تعددت التجارب وتنوعت بقوة دفع المدارس التبشيرية التي انتشرت في القدس ويافا وحيفا وبيت لحم بالإضافة إلي اهتمام الأندية والجمعيات الناشطة مثل جمعية الشبان المسيحية التي تأسست عام 1877 والجمعية الإسلامية في حيفا حيث أدرجت هذه الجمعيات التمثيل ضمن أنشطتها الدورية وعرفت هذه المرحلة أسماء اهتمت بالكتابة المسرحية ومنها جميل حبيب بحري الذي كتب أكثر من 12 مسرحية منها الوطن المحبوب والخائن ونصري وجميل وفريد الجوزي. وكان لزيارات الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين أعوام 1920- 1930 أثر كبير في دفع الشبان الفلسطينين لتأسيس فرق في العديد من المدن وأهم الفرق المصرية الزائرة هي فرقة جورج أبيض - فرقة نجيب الريحاني - فرقة علي الكسار.. ورغم تسلط الرقابة البريطانية إلا أن المسرح تحت الانتداب عرف المسرحيات السياسية وشهدت الفترة ما بين الحربين مسرحيات تحارب الصهيونية تحض علي عدم بيع الأراضي لليهود وتعادي النفوذ الأجنبي وترفض التدخل الخارجي في شئون العرب الداخلية. ولم يكد المسرح الفلسطيني يبدأ في الازدهار والانتشار حتي جاءت صدمة نكبة 1948 وتم استلاب أرض فلسطين وتشتت شمل فناني المسرح الفلسطيني وهاجر معظمهم إلي الأردن وسوريا حيث بدأوا نشاطاً مسرحياً فلسطينيا في الخارج وإذا كانت النكبة قد وقفت حائلاً أمام صعود المسرح إلا أنها من زواية أخري أججت الشعور بالذات الفلسطينية وارتفعت بالحس الوطني والقومي وسيطر موضوع النكبة علي معظم الكتابات المسرحية وبالإضافة إلي الرقابة العنيفة تأثرت الحركة المسرحية بعدم وجود هيئة ترعي المسرح وتدعمه ومن أهم الفرق التي ظهرت فيها بين عامي 1948 - 1973 بلالين - دبابيس - المسرح الشعبي - المسرح الحديث - كشكول - المسرح الحر - المسرح الفلسطيني وفرقة نقابة عمال الدهان ومن أبرز الأسماء التي نشطت من أجل نهوض المسرح الفلسطيني داخل الخط الأخضر صبحي الداموني الذي كان من أبرز أعضاء المسرح الناهض في حيفا وكتب نصري الجوزي عدداً من الأعمال المهمة مثل العدل أساس الملك وصور من الماضي مسرحية للأطفال وتراث الأباء وهي مسرحية ضد بيع الأراضي في فلسطين لليهود. وساهم انتشار التعليم والمدارس في دفع الحركة المسرحية وبعد عام 1967 ظهر جيل جديد من الكتاب والفرق المسرحية التي أخذت تقدم مجموعة من الأعمال المسرحية بنجاح مثل مسرحية العتمة لفرقة بلالين وتألق الكتاب الكبار الذين عرفت بعض أعمالهم طريقها إلي مسارح القاهرة مثل سميح القاسم الذي كتب مسرحية قرقاش ومعين بسيسو شمشون ودليلة وثورة الزنج وسهيل إدريس الذي كتب مسرحية زهرة من دم وكتب هارون هاشم رشيد مسرحية شعرية بعنوان السؤال وكتب المناضل الشهير غسان كنفاني مسرحية الباب والقبعة والنبي. ومن العلامات البارزة بعد نكسة 67 تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني في الشتات علي يد المسرحيين حسين عويني خليل طافش نائلة الأطرش حسين الأسمر وغيرهم كما نشأت العديد من الفرق المسرحية في الثمانينيات ومن بينها الكواكب الحكواتي - مسرح القصبة - فرقة المسرح الفلسطيني - مسرح الرواة الفلسطيني الذي اعتمد علي الدمي والعرائس في عمله - وفرقة الجوال ومسرح سنابل وفرقة عشتار وهذه الفرق عملت في ظروف إنتاجية صعبة وتوقف منها معظمها لأسباب عديدة أهمها عدم وجود تمويل وعلي ضوء المتغيرات السياسية وإعلان قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عرفت الحركة المسرحية مؤسسات تعني بالفن وتدعمه كوزارة الثقافة الفلسطينية التي أنتجت أعمالا مسرحية محترفة في الضفة الغربية وقطاع غزة وقدمت الدعم للفرق المستقلة والهواة وأنشأت مسرح الطفل الفلسطيني إلا أن المسرح مازال في حاجة لمزيد من الدعم وفي حاجة إلي معاهد أكاديمية وأقسام لدراسة المسرح بالجامعات لتواصل الحركة المسرحية مسيرتها رغم قسوة الاحتلال الصهيوني وبشاعته. [email protected]