منذ فترة قليلة احتفلنا بعيد المعلم، ويأتي هذا الاحتفال كنوع من التكريم والاعتراف بأهمية المعلم ودوره التعليمي والتربوي، وهذا ما عبر عنه الرئيس مبارك في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه وزير التربية والتعليم، وذلك عندما ذكر أن المعلمين والمعلمات سيظلون موضع اعتزاز الوطن وتقديره، يأتمنهم الشعب علي أبنائهم وبناتهم، وتتعلق بهم الآمال في تنشئة أجيال جديدة تسهم في نهضة مجتمعنا جيلا بعد جيل مع الثقة في أن معلمينا ومعلماتنا يدركون مقتضيات الرسالة السامية التي يحملون أمانتها والمسئولية الوطنية التي يضطلعون بها، وهم أهل لهذا من حيث قدرتهم علي النهوض بهذه الرسالة والمسئولية. ومن يحلل موروثنا وتراثنا الثقافي يتبين له وبوضوح أن المعلم يحتل المكانة والمهابة، ولعل في رائعة شوقي قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا المثال الرائع لهذه المكانة التي تضعه - أو يكاد - في مرتبة الرسل والأنبياء، ولم لا؟ والمعلمون - يقول فيلسوف التربية البرازيلي باولو فرايري - هم بناة ثقافة، بالمفهوم الواسع لهذه الثقافة، والتي تتجاوز وإلي حد بعيد مجرد التعليم والتربية، وهم - يقول كيفن هاريس المفكر الاسترالي - القادرون علي إثارة الوعي وبنائه، بل وهم أحق بهذا من غيرهم وفي هذا المجال - كما يري كيفن - هم الأولي من كل النخب المثقفة في المجتمع. وما يراه هؤلاء الفلاسفة والمفكرون حول أهمية ودور المعلم إنما ينطلق من النظرة إليهم علي أنهم يشكلون مؤسسات وليس فقط أفراداً، كما هو الحال بالنسبة لباقي التخصصات الأخري، فالمعلم - دون غيره من أصحاب المهن الأخري - يعد مؤسسة تعليمية حيث تؤكد كل الحقائق أن به ينهض التعليم ويتقدم، وأساس تطويره والارتقاء بمستواه ومهما كانت آليات التطوير من كفاءة فإنها بدون المعلم تظل عاجزة عن تحقيق أغراضها، وهو مؤسسة ثقافية من خلال البرامج والمناهج المعلنة وتلك المناهج الخفية أو غير المعلنة، والتي تتمثل في ثقافته وسلوكياته واتجاهاته، ومواقفه وهو مؤسسة اجتماعية بكل ما لهذه المؤسسة من أدوار ارشادية وتوجيهية وسلوكية، ومشاركة من جانبه في النهوض بالبيئة المحلية ومن خلال غرس هذه المشاركة في وجدان تلاميذه وطلابه. باختصار لم يعد المعلم ذلك الخوجة بآلياته التقليدية، وإنما هو مؤسسة تعليمية ثقافية واجتماعية ومن هذا المنطلق أصبح الاهتمام باعداده وتدريبه من أهم آليات بنائه وتكوينه، ولم يعد مجرد الإعداد عاما أو عامين بكاف، وإنما لابد من إعداده في الكلية المعنية به ولمدة تصل في بعض البلدان المتقدمة إلي أربع أوخمس سنوات، من خلال ما يسمي بالإعداد التكاملي في كليات التربية أو المعلمين، وهي الكليات التي باتت تواجه هجوما حادا وعنيفا، بل والمطالبة بالغائها من قبل من لا يدركون أهميتها ودورها، نعم تعاني - شأنها في ذلك شأن غيرها من الكليات الجامعية - لكن لا يعني هذا المطالبة بالغائها، وإنما ضرورة الدعوة لتطويرها والنهوض بها. علي أي حال - وأيا كان الوضع - فإن هناك عشرات الأدوار والمهام التي تضفي علي المعلم المهابة والمكانة التي من الواجب توافرها للمعلم، ولكن - وبكل الموضوعية - نقول: إن هذه المهابة والمكانة لاتزال - في معظم الأحيان - أقوالا لا أفعالاً، وما يحدث له وبه هو أقرب إلي المهانة التي تعبر عن نفسها في العديد من المظاهر، منها - علي سبيل المثال: 1- علي المستوي الاقتصادي فلا يزال المعلم يعاني اقتصاديا ولم تصل الغالبية منهم إلي حد الحياة الكريمة، مما يدفع الكثير منهم إلي ممارسة وإدمان الدروس الخصوصية التي تحط من قيمة المعلم وتشكل له إهانة بالغة، وهذا معروف ولا يحتاج لبيان. 2- أما علي المستوي الاجتماعي فحدث ولا حرج من حيث النظر إليه نظرة اجتماعية غير لائقة، بل وصل حد اعتداء بعض أولياء الأمور علي المعلمين ولم لا؟ وقد جاء في وسائل الإعلام قيام واحد من ذوي الحيثيات الكبيرة بضرب معلم علي أم رأسه بالحذاء داخل المدرسة وأمام تلاميذه، إلي جانب العديد من الحالات المشابهة حتي من قيام ضرب الطلاب لمعلميهم فأي مهابة هنا، إنها وبكل المعايير الاهانة ليس للمعلم فقط وإنما للمؤسسة التعليمية كلها إن لم يكن للامة التي تعلق الآمال علي التعليم في النهوض بها، ولن يكون هناك تعليم بدون معلم يحظي بالمهابة والمكانة والاجلال، ليس علي مستوي الأقول وإنما الأفعال. وهذا ما ننتظره من وزير التعليم الجديد.