جيد أن يكف الشخص ولو ليوم واحد عن الكتابة في السياسة، وما تحمله من كآبة، حتي لو كانت كآبة لذيذة. ولن يكون أفضل للإنسان من الإقلاع المؤقت عن السياسة سوي التفكير في نهر الحياة، كيف يمضي؟ في بداية عام، ووداع عام هناك تأملات كثيرة في حياة الإنسان. أحد هذه التأملات، ما يقال دائما عن صعوبة البداية. في كل مناحي الحياة البداية صعبة، وصعوبتها تكمن في أنها تقود الإنسان إلي عالم مجهول بالنسبة له. أما النهاية فهي عادة ما تكون خاتمة لأشياء معروفة، وأحداث سابقة. من هنا فإن أي بداية صعبة سواء كانت بداية سنة، أو بداية عمل، أو بداية علاقة، أو بداية طريق، يساور دائما الإنسان القلق بشأن ما يخبئه له القدر من مفاجآت، قد تكون سارة أو حزينة. لكن هكذا تكون طرق الإنسان جميعا غير معروفة. وحتي يخرج الإنسان من مشاعر الخوف من البداية يمكنه استلهام عدد من الخبرات. أولا: يجب أن يتخلص الإنسان من "الخبرات السلبية السابقة"، فلا يبدأ علاقة جديدة بمشاعر فشل تطارده في علاقة سابقة، ولا يخطو خطواته في عمل جديد انطلاقا من خبرة سلبية في عمل سابق، وهكذا. ثانيا: أن يعرف الشخص أن ما يملكه هو الحاضر، وليس الماضي ولا المستقبل. الماضي حدث بكل ما فيه من أحزان وأفراح، ومواقف سلبية وأخري ايجابية، ولا يملك الإنسان تغيير الماضي. أما المستقبل فهو كائن غامض لم يولد بعد، لا أحد يعرف مساره أو اتجاهاته. يحوي العديد من المفآجات، ويخبئ أتراحا كثيرة.. التفكير في الماضي قد يبعث علي التشاؤم والتحسر علي ما مضي، والتفكير في المستقبل قد يبعث علي القلق، وعدم اليقين، والخوف من المجهول، فلا مفر أمام الإنسان سوي أن يفكر في واقعه، يومه، حياته الآنية، الساعات التي بين يديه، الدقائق التي يقضيها... ثالثا: يجب أن يعرف الإنسان كيف يكون سعيدا، فلا يستسلم لفكر يقلقه، أو يفتح عقله لماض يتعس حياته، أو ينشغل بمستقبل لا يزال جنينا في بطن الزمن، المهم أن يعرف أن كل ما يحدث حوله قد يكون سببا في سعادته أو تعاسته. إذا رآه ايجابيا يكون سعيدا، وإذا رآه سلبيا يكون تعيسا. هذه بعض الأفكار التي لا يزال يختزنها عقلي من قراءة كتابات "دلاي لاما" الراهب البوذي، والمفكر العالمي المعروف، له كتابات عديدة أكثرها تأثيرا في فكري هو "فن السعادة". منذ أيام جمعني حوار مع د.إسماعيل سراج الدين حول البداية، وما يخالطها من مشاعر. قال لي أن الإنسان يجب أن يودع كل مرحلة في حياته وسط شعور بالسعادة. في كل مرحلة من مراحل الحياة هناك أسباب للبهجة والاستمتاع، الطفولة والشباب، وأواسط العمر، والشيخوخة... لا يجب أن ينظر الشخص إلي الوراء، ويشعر بالندم علي مرحلة من عمره مضت، ففي كل مراحل العمر هناك مسببات للسعادة، أو ما يبعث علي الندامة. هذه مجرد تأملات في بداية عام، علها تبعث في نفوسنا بعض إنسانية الأفكار، بعيدا عن السياسة، ومشاكلها.