كان سحب ترخيص مجلة "إبداع" من أبرز القضايا التي شغلت الوسط الثقافي المصري في 2009، عقب الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري، بسبب نشرها قصيدة بعنوان "شرفة ليلي مراد" للشاعر حلمي سالم، في عددها الأول من الإصدار الثالث في شتاء عام 2007، أي بعد عامين كاملين، صدرت خلالهما تسعة أعداد من المجلة. جاء في حيثيات الحكم أن القصيدة تسيء للذات الإلهية، وأن المجلة المسماة "إبداع" نشرت ما أسمته قصيدة "شرفة ليلي مراد" شعر حلمي سالم، ورد فيها ألفاظ تسيء إلي رب العالمين، ومن العبث المتصور عقلا أن يكون هذا العمل قد نشر دون أن يمر علي القائمين علي هذه الأعمال، الأمر الذي يؤكد أن بعض أولئك لديهم القناعة والاستعداد لنشر مثل هذا الإسفاف المتطاول علي رب العزة والجلالة. وقد علق الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قائلا: نحن نستنكر الإساءة إلي الذات الإلهية، كما نستنكر العدوان علي الحريات، وأن يعين بعض الناس أنفسهم وكلاء عن الذات الإلهية، ولا نتنازل عن حقنا المقدس في حرية التعبير والتفكير والاعتقاد. وأضاف: لقد سحبنا العدد الذي نشرت فيه القصيدة من السوق وأوقفنا توزيعه وطلبنا من الشاعر أن يراجع قصيدته، فحذف منها المقاطع المعرضة لإساءة التفسير، لتنشر من جديد في العدد الذي أعيد طرحه في السوق، ولكن الذين أرادوا السوء للمجلة وللقائمين علي تحريرها، لم تكفهم مراجعتنا للقصيدة، واتخذوا المقاطع التي حذفناها دليلا يثبتون به اتهامنا بالإساءة إلي الذات الإلهية بدلا من أن تكون دليل نفي، كأن هناك من يقفون لنا بالمرصاد ويتبعون خطانا ويتمنون لنا الخطأ، إن احتكار الحرية أو مصادرتها هو الخطر الأكبر وإطلاق الحرية والاعتراف بأنها حق طبيعي للإنسان هو المانع الوحيد من إساءة استعمالها، لأن الناس لا يتحررون إلا بممارستهم للحرية، بل إن إساءة استعمال الحرية لو وقعت بالفعل لا تعالج إلا بالحرية، التي تتيح للناس أن يعرفوا هذه الإساءة، ويشهدوا عليها، ويشاركوا في كشفها والرد عليها، وبهذا يتحصنون ضد من يستخدم حريته في خداع الناس وتضليلهم، وانفرادهم بتفسير ما لا يعرفون، أنهم لا يتطفلون فقط علي فن لا علاقة لهم به وهو الشعر، بل هم يتجاهلون فوق ذلك رأي العارفين والمختصين ويتوسلون بالقانون لإسكاتهم وحرمانهم من المنابر التي يعبرون فيها عن آرائهم. وقد طعنت الهيئة المصرية العامة للكتاب في الحكم الصادر مستنكرة بشدة ما ورد بالحكم المطعون عليه من خطأ جسيم في سرده للوقائع، حينما أورد ما لم يرد بعريضة الدعوي، وخلط الوقائع خلطا خطيرا، موضحة أسباب الطعن المتمثلة في الفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، وإصابة الحكم بعوار الانزلاق في الإساءة للذات الإلهية، والخطأ في تطبيق القانون، ومخالفة أحكام الدستور والقانون، وقد استنكر كتاب ومثقفي مصر إلغاء ترخيص المجلة فقال محمد سلماوي إن الحكم خطير في مجتمع يعاني من جنوح فكري غير محمود إلي التطرف الديني بعيدا عن أي مناقشة للحكم ذاته لكن لدعوي الحسبة التي أتت به والتي تسمح لأي مواطن أن ينصب نفسه وكيلا للذات الإلهية ويرفع الدعاوي القضائية ضد البشر متهما إياهم بأخطر الاتهامات، وتساءل سلماوي: كيف يصدر هذا الحكم الخطير دون الرجوع إلي اتحاد كتاب مصر الذي يضم كبار الكتاب والمتخصصين في النقد الأدبي. وفي النهاية انتصرت حرية التعبير، وصدر الحكم في 15 يونيو عن المحكمة الإدارية العليا، بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري.