تحظي "نظرية المؤامرة" حاليا بشعبية غير عادية بين العديد من البشر من الذين يعتقدون في معرفتهم "القصة الحقيقية" وراء كل مشكلة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو صحية حتي،وعلي ما يبدو أن نظرة المؤامرة المسيطرة هذه الأيام تركز علي المخاوف الصحية،فالناس في مختلف أنحاء العالم لا يتحدثون إلا عن شركات الأدوية العملاقة والحكومات المتواطئة معها والتي تتعمد نشر الأمراض المختلفة ومن ثم تبيع اللقاحات والأدوية،أو تحاول أن تنشر الرعب بين الناس لتسيطر عليهم. سيطرة نظرية المؤامرة علي تفكير الناس في عصرنا هو ما يحاول الكاتب ديفيد آرونوفيتش رصده في كتابه الجديد؛ "تاريخ الوهم:دور نظرية المؤامرة في تشكيل التاريخ الحديث" والتي يتتبع فيه خيوط الوهم التي نسجتها العقول حول قضايا وأحداث العصر التي أثارت الجدل. أنفلونزا الخنازير؟ إنه فيروس أنشئ في مختبر شركة غامضة بإيعاز من شخصيات متطرفة مثل دونالد رامسفيلد وديك تشيني وبتمويل من إسرائيل بهدف السيطرة علي العالم،أما فيروس نقص المناعة المكتسبة فإن الشركات التي تنتج المصل المضاد منه هي نفسها الشركات التي تروج لخطورته من أجل زيادة مكسبها،وكذلك التطعيم ضد سرطان عنق الرحم،فإن التطعيم مميت وقد تسبب في موت العديد من الفتيات إلا أن شركات التصنيع تتكتم الأمر من أجل المكسب. نحن نعيش عصر المؤامرات،أو بالأحري عصر الوعي بكل ما يدور حولنا،فقد أحدثت ثورة الاتصالات نقلة هائلة في كم المعلومات والأفكار التي تتجاوز الحدود وتنتقل في جميع أنحاء العالم،كما أصبحت الشعوب تستقي معلوماتها من مواقع الإنترنت الخبرية الجديدة مثل روسيا اليوم ومن القنوات مثل الجزيرة وإيران تي في والتي تتعامل بمنهج مختلف وأكثر إثارة عن منهج القنوات الخبرية المعتادة كالسي إن إن،والإيه بي سي. ولعل خوف الإنسان من فكرة عجزه أمام الكوارث والتهديدات التي يعاصرها العالم هي السبب في انتشار نظرية المؤامرة،إذ يحاول أن يطمئن نفسه بالبحث عن مسئول أو يد خفية تتسبب في كل ما يحدث بدلا من التفكير في أن العالم فريسة لأحداث ليس له يد فيها. ويشير الكتاب إلي بعض من أكثر نظريات المؤامرة التي انتشرت في العصر الحديث مثل تلك النظرية الخاصة ب"برتوكولات حكماء صهيون" والتي انتشرت بشكل واسع في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولي،وكذلك أن بوش هو المخطط لأحداث الحادي عشر من سبتمبر،كبداية لتنفيذ خطط مسبقة،هذا غير الحديث عن المؤامرات التي تسببت في مصرع جون كينيدي ومارلين مونرو فكل الأحداث المعاصرة تغلف بطعم المؤامرة. كذلك يذكر الكتاب أن التاريخ وشواهده لم يسلما من نظرية المؤامرة،حتي أن البعض قد روج بقوة إلي أن من بني الأهرامات الثلاثة في مصر لم يكن الفراعنة،أو أي من البشر،فالكائنات الفضائية هي التي بنت الأهرامات وهذا بالطبع هو سر تفردها وعظمتها. وقد تتسبب نظرية المؤامرة في إنتاج أفكار طريفة وأخري متطرفة لكنها تعكس في الوقت ذاته -حسبما يوضح الكتاب- رغبة العديد من الناس في إضافة بعض الحركة علي الحياة الرتيبة أو يعكس تبرير البعض للفشل بتآمر الآخر عليه،وأيا كانت الأسباب الدافعة لتبني نظرية المؤامرة فإن الكتاب يحللها ويرصدها بدقة باعتبارها ظاهرة حديثة مثيرة للاهتمام.