في زمن البؤساء المنظر ليس جميلا علي الاطلاق بل يبدو قاتما معتما وربما قذرا حيث أدخنة الفقر والجوع والمرض والموت. هناك في البؤساء الحب والكذب والدعارة والخداع والشرف والمكر والتضحية والنبل والغدر، الي جانب أنواع نمطية من شخصيات بائسة يتصدرها الواشي والملحد والقواد واللص والافاق والمدمن والمزور وآخرون، مجموعة متكاملة ومتنوعة من كل الطبائع البشرية لباقة من الانحرافات التي تسقط أعتي البلاد قوة وجبروتا، إنها خرابة كبيرة بكافة انواع الفوضي والعنف والفشل والتعطل والمظالم. في البؤساء تعال واضح من سلطة غائبة حاضرة بطاقاتها الخفية الفاسدة والخبيثة والمحكمة يتعالون علي الناس وكأنهم يمتلكون الكهنوت لأسرار الحياة. في البؤساء ليس هناك أخطاء بل هناك جريمة واحدة وواضحة وهي غياب وتزييف العدل. البؤساء رواية أدبية شهيرة تحولت الي عمل مسرحي غنائي استعراضي علي خشبة مسارح برودواي ساهم هذا التحويل في اضافة مزيد من الشهرة الي هذا العمل الجيد والجاد والثري بالاحداث الي درجة تعكس تلك الفترة في غضون بواكير الثورة الفرنسية وتلك الاوضاع الرثة التي سارعت في تحول المجتمع الفرنسي من امراض الاقطاع الي عصر النهضة في قصة بسيطة تبني علي قراءة اجتماعية منصفة ونزيهة لتاريخ من الظلمة لعصر ما قبل الثورة بفرنسا. فيها.... خالف (جان فالجان) عقوبة إطلاق السراح وأخل بالشروط علي أثر تهمة تعسفية عبثية قضي منها بالسجن تسعة عشر عاما لسرقته رغيفاً من الخبز (لم يفصلني إلا زجاج عن الجوع) فتتبعه (جافيير) ذلك الحارس والذي كان يعمل شرطيا ثم مديرا للشرطة.. كان شريفا لكنه لم يكن يتخلص من كونه سلطويا آليا ميكانيكيا وأداة قاسية لاقيمة لها لتطبيق القانون الفج والمتعسف ،ففي تلك المراحل القذرة من عمر الشعوب تتراكم القوانين تصبح مقصلة فجة ومغالية في الزيف وسفاكة لأرواح البشر ، فناهيك عن تطبيق عقوبة السجن عشرات السنوات لسرقة رغيف في ازهي عصور الجوع انتشارا وهي عقوبة مبالغ فيها الا ان القانون في هذه الفترة والذي لايخلو من عوار وسقطات لم يغفر ل(جان فالجان) سقطته حتي بعد قضاء عقوبته بل طارده الضابط (جافيير) حتي وكأنه هو الشيء الوحيد الذي يجب تتبعه في ظل منظومة ضخمة محبكة وبينة من الفساد داخل هذه البلاد الغارقة بقاع الفشل دون علاج، ففي الوقت الذي كانت فيه باريس تحاول عبثا ان تفعل شيئا ودون ان تعرف كيف وكانت تجهل لذا فكل مافعلته ببساطة هو نقل الفوضي والانحدار من مكان الي آخر في اخلال فاضح للامن. في هذا الزمن كان الاقطاعيون الجدد يتزايد عددهم وسمو بالبرجوازيين وكان ممن استطاع ان يكون من بينهم هو جان فالجان الذي صار نجما للمجتمع المتآكل في تلك الفترة الغثة، لم يكن يرضي غروره ان يكون كذلك لكنه كان المعول الذي يحارب الفقر بمناصرته التنمية والفقراء ويكافح غياب العدالة بعدم الاذعان، لقد تحول الرجل بكفاحه الي برجوازي شريف في سنوات قليلة لكن الشرطة لا تزال تجده خطرا ومدانا ويجب تتبعه في حين انه كان يمكن لا "جان فالجان الشريف" ان يتخلص من قيده الدائم والمتتبع له بقتل الضابط جافيير،الا انه لم يفعل ومازال جافيير الضابط مستمرا يطارد بشرف وبلا يأس في زمن اختفي الشرف وكسا اليأس فيه افق الحياة ليبرز الحل العادل الذي أوجده سيد كتاب فرنسا واكثرهم حظا (فيكتور هوجو) وهو ان ينتحر مثل هذا العقل من ادوات السلطة ومثل هذا الشرف لهذا النوع من العدالة القاصرة الآلية العمياء ليقذف جافيير بنفسه في برودة النهر منتحرا. إنه صراع بين شرفيين وواجبين في عصر لامعني فيه للشرف ولامكان فيه للواجب ....عصر البؤساء ....المهمشين ، عصر التلوث الانساني والاقطاع المنحرف وفضاء الفقر ومستنقعات الخوف وتنمية المجاعة . إنها فترة خارج التاريخ الانساني تناولها العمل الفني هددت التوازن الانساني وغيبت طاقة الفرد بالخوف والاختزال واعطت الاولوية للقناعات المضللة والمفيرسة لتحويل الانسان الي سلة رثة من حمي الجوع والمرض والافقار. في عصر لايمكن نسيانه علي طوال تاريخ المجتمعات المتآكلة.