العلاقة بين المفكرين والأمراء هي علاقة قديمة، وإن تنوعت درجاتها، واختلفت درجات القرب أو البعد بين الطرفين، وهي علاقة يمكن وصفها في الغالب بأنها "الصداقة اللدودة"، أو "العداوة الحميمة"، فالطرفان في الغالب متناقضان من ناحية الأهداف والغايات، وإن جمعت بينهما الظروف والحاجات.. فالأمير في الغالب يميل إلي من يوافقه الرأي، ومن يتفق معه أكثر ممن يختلف معه.. وهو يحتاج إلي تابع أكثر من حاجته إلي قائد، وهو في حاجة إلي مصفق أكثر من حاجته إلي مقيم، وهو يميل إلي تقييد مع ما هو مطلق، أكثر من حاجته إلي تحرير ما هو مقيد.. وعلي العكس من ذلك تماماً تكون في الغالب شخصية المفكر وتوجهاته، تحرراً ونقداً وتفكيراً..... وقد تلتقي مصالح الطرفين، وتتشابه رغباتهما، ومن هنا تظهر الثنائيات التي ذكرها لنا التاريخ كأمثلة للعلاقة بين الطرفين. وعلاقة أنيس منصور بالرئيس السادات تمثل شكلاً مختلفاً، وعلاقة لها طبيعة متميزة، فهي علاقة قائمة علي الإعجاب المتبادل، وعلي الاستقلال أيضاً.. فالسادات كان معجباً بأنيس منصور كاتباً ومحدثاً، وأنيس كان معجباً بالسادات سياسياً وصاحب رؤية.. لم يسخر السادات أنيس للتعبيرعن سياساته أو للترويج لها، وأوكل هذه المهمة إلي آخرين مثل موسي صبري، ولم يحاول أنيس تسويق اتجاهاته السياسية لدي الرئيس مثلما فعل هيكل مع الرئيس عبد الناصر.. كلاهما، أنيس والسادات، حافظ علي استقلاليته وعلي مشروعه، وكلاهما حقق أهدافه من علاقته بالطرف الآخر. وكتاب أنيس منصور الذي أصدره هذا الشهر عن دار المعارف وعنوانه "من أوراق السادات" يمثل نزهة فكرية، ورحلة تاريخية إلي الفترة الساداتية.. هي ساعات قضاها أنيس مستمعاً إلي الرئيس السادات، ومراقباً لأهم الأحداث التي تدور من حوله، ومحللاً لأهم الدلالات الناتجة عنها، ومعلقاً علي أهم تطوراتها.. صاغها بأسلوب أدبي ساحر، وهو أسلوب نجح أنيس منصور في صياغته لنفسه، وفي جذب الآخرين إليه.. وهو أسلوب استمتعنا به في كتابات أخري سابقة لأنيس مثل "عبد الناصر المفتري والمفتري عليه"، و"في صالون العقاد كانت لنا أيام"، و"في السياسة" وغيرها من كتبه المهمة. وبالإضافة إلي العرض السردي الشيق للفترة السابقة علي حرب أكتوبر، ولتسلسل الأحداث المؤدية إليها، وكذلك للفترة التي أعقبت هذه الحرب، يحتوي الكتاب علي مجموعة من الوثائق المهمة، وعلي مجموعة من الصور النادرة للرئيس السادات.. وعلي الرغم من سعادتي بهذا الكتاب الذي جاء بعد طول إلحاح من عدد كبير من المثقفين، فإنني أعتبره جزءاً أول أو مقدمة يجب أن تتبع بأجزاء أخري، فما يعرفه أنيس منصور عن هذه الفترة، وما يحتفظ به في خزائنه من ذكريات ومعلومات جدير بأن يتم توثيقه في أكثر من كتاب.