إذا أردنا تطبيق المقاييس الدولية علي نموذج الدولة الفاشلة فلا يوجد أفضل من الصومال، ويعرف مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن للدراسات الاقتصادية الدولة الفاشلة بأنها: "حالة انهيار الدولة، أو الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية الأساسية وحماية أمنها وفرض سيطرتها علي أراضيها وحدودها". ومنذ عام 1991 تاريخ الانقلاب علي الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري تعيش الصومال في حرب أهلية مستمرة منذ 18عاما، لم تسمح منذ هذا التاريخ باختيار الرئيس الصومالي داخل الأراضي الصومالية، وإنما يجري اختياره وتنصيبه خارجها ويعود لبلاده محملا بالأمل ثم سرعان ما ينضم لقائمة الفاشلين. في 31 يناير الماضي تفاءل العالم بإمكانية خروج الصومال من تصنيف الدول الفاشلة بعد اختيار رئيس المحاكم الإسلامية شيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للبلاد في جلسة عقدها البرلمان الصومالي في جيبوتي، وبما أن هذه هي المرة الأولي التي يأتي فيها الرئيس الصومالي من تنظيمات إسلامية كانت قد فرضت سيطرتها علي البلاد، فقد سادت العالم كله حالة من التفاؤل بإمكانية إقامة نظام سياسي جديد في الصومال لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. انقسمت الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها شريف بين تيارين أحدهما تكون في جيبوتي برئاسة شيخ شريف والآخر في أسمرة برئاسة حسن ظاهر عويس الذي نجح في ضم تنظيم الشباب المسلم إلي تحالفه، وشن حربا ضارية علي رفيق الأمس. وبينما انتهي العام وشيخ شريف يقبع في جزء محدود من العاصمة مقديشيو تحت سيطرته وفي حماية القوات الأفريقية لحفظ السلام في الصومال سيطر معارضوه علي معظم الأراضي الصومالية، ليتبخر الأمل الذي بدأ مطلع عام 2009 في إعادة الاستقرار للصومال ويأتي نهاية العام ومقديشيو أكثر تشتتا وفشلا ورعبا. عام رمادي آخر عاشته الصومال، وبينما كانت مجرد دولة فاشلة تحولت إلي الدولة الأفشل في عام 2009 دون بارقة أمل علي الخروج من النفق المظلم الذي دخلته منذ نهاية عام 1991 حيث لا تزال البلاد مقسمة بين أمراء الحرب، وانضم إليهم قبل سنوات الجماعات الدينية المتشددة، فيما أصبحت البلاد أحد أهم الملاذات الآمنة لقادة تنظيم القاعدة العائدين من العراق أو الفارين من أفغانستان، أو حتي الذين يتجمعون من سائر البلدان الأفريقية للجهاد تارة ضد أمراء الحرب وتارة أخري ضد القوات الأفريقية. ربما تكون الصومال أفشل دولة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، صحيح أن الحرب الأهلية اللبنانية في القرن الماضي، كانت الأعنف لكن الإرادة العربية استطاعت التدخل لإنقاذ لبنان من محنته، بينما لا يبدو أن العرب قادرون علي نفس الفعل في الصومال الذي يدفع ثمنا غاليا لصراع متعدد القوي والأقطاب في القرن الأفريقي.. ولحروب غير مقدسة يجري شنها باسم الدين علي الأراضي الصومالية.. لتمضي البلاد من فشل إلي آخر.. ومن أعوام سوداء إلي أخري رمادية.