في كل دول العالم ، وفي كل المجتمعات القديمة منها والحديثة، الشكوي دائماً تكون للأقلية التي تري أن حقوقها منتهكة وأنها غير قادرة علي الوفاء بمطالبها بسبب تعنت الأغلبية الظالمة، وتعسف أفرادها، وعدم قدرة أفراد الأقلية علي التعبير بحرية عن أفكارها وعن مطالبها .. الشكوي دائماً تكون للأضعف الذي لا يجد غير الشكوي سلاحاً ، ولا يجد غير التظلم وسيلة لمحاربة ظلم الأغلبية وطغيانها ... في كل دول العالم يحدث ذلك إلا في مصر ، فالعكس هو الذي يحدث، والغريب أن ذلك يحدث بشكل متواتر ومستمر !! وقد نشرت روزاليوسف يوم الأربعاء (9 ديسمبر) خبراً مفاده أن النائب أحمد عز قد اعترض علي ما أسماه " الظلم الذي يتعرض له نواب الوطني بسبب استحواذ نواب المعارضة علي أغلبية الوقت في الشد والجذب" ، مستطرداً " التطبيق العملي للائحة به ظلم كبير لنواب الأغلبية الذين يجب تقديمهم وإعطاء الفرصة لهم ، لأنهم ليسوا أغلبية ميكانيكية كما يزعم البعض". وليست هذه هي المرة الأولي التي يشتكي فيها الحزب الوطني (حزب الأغلبية) من ظلم الأقلية لها، ولن تكون الأخيرة ، طالما بقيت أسباب الشكوي قائمة ، وأسباب استقواء الأقلية وطغيانها موجوداً. ولا شك أنه يحسب لإدارة المجلس حرصها علي إتاحة الفرصة للأقلية للتعبير عن رأيها، ولعرض وجهات نظرها بشأن القضايا المختلفة، إيماناً من إدارة المجلس بأنه لا معني للديمقراطية الحقيقية بدون وجود الصوت المعارض القوي والظاهر والقادر علي إبداء رأيه بحرية ..غير أن المشكلة أن نواب الأقلية قد اعتبروا ذلك حقاً مكتسباً ، أو بمعني آخر اعتبروه حقاً بوضع اليد ، دون أن يفكروا أن ذلك قد لا يكون سليماً من الناحية الموضوعية ، وهو ما دفع الدكتور سرور إلي التعليق علي كلام النائب أحمد عز " كلامك جدير بالاهتمام وسنعطي نواب الأغلبية أولوية ". ومن وجهة نظري، ستظل الشكوي قائمة طالما أن نواب الأغلبية يعتقدون أن مهمتهم تحت قبة البرلمان لها أهداف وظيفية فقط تتلخص في تلبية مطالب أبناء دوائرهم، وقضاء حوائج الناس، ومساعدتهم علي حل مشاكلهم .. لابد لنواب الحزب الوطني أن يؤمنوا بأن لهم أهدافاً سياسية إضافة إلي هذه الأهداف الوظيفية، لابد أن يؤمنوا بأنهم يعبرون عن فكر يجب إقناع الآخرين به، وينتمون إلي حزب له أيديولوجيته التي يجب الدفاع عنها، ولابد أن يؤمنوا بأن العمل البرلماني وظيفة ورسالة حزبية في وقت واحد. العمل الحزبي والبرلماني لا يقوم فقط علي خدمة الناس ، وهذا جانب مهم، بل يقوم إضافة إلي ذلك وفوق ذلك ، بالتفرغ للتشريع ، وللرقابة ، وهما وظيفتان لا يصلح معهما الشكوي من طغيان الأقلية، لا التظلم من علو صوتها!!