عندما تتجول في العاصمة الأمريكيةواشنطن في شهر أغسطس تصبح كمن يتجول في شوارع القاهرة صبيحة يوم الجمعة، شوارع خالية من السيارات والمارة، ومؤسسات حكومية وأهلية تعاني من تغيب أصحابها وانعدام زوارها.. وبذلك تصبح واشنطن في هذا الوقت قبلة لمن يريد أن يزور متاحفها، وأن يري معالمها بغير زحام من البشر وبدون أزمات مرور تشبه شوارع وسط البلد في القاهرة في منتصف النهار. ومن يتجول في شوارع مدينة ريودي جانيرو البرازيلية، العاصمة الحالية للبرازيل بعد أن كانت العاصمة هي مدينة برازيليا، يري كيف نجحت البرازيل في تحويل الزحام الخانق والعشوائية المطلقة التي كانت سائدة في برازيليا، لتحل محلها مدينة منظمة ومتحضرة، يتوقع لها كثير من المراقبين أن يصبح لها شأن كبير خلال السنوات القليلة القادمة سياسياً واقتصادياً بين دول أمريكا اللاتينية. وقد طرح الحزب الوطني منذ فترة قصيرة فكرة إنشاء عاصمة حكومية وإدارية جديدة لمصر، عاصمة جديدة تخلص القاهرة الحالية من كل مشاكلها الطاحنة، وتعيد لها وجهها التاريخي والحضاري العريق، عاصمة جديدة تخفف من أعباء القاهرة القديمة، وتتيح حرية الحركة للوزارات وللمؤسسات الحكومية الراغبة في إضافة خدمات جديدة للمواطنين، والطامحة إلي توسيع أنشطتها الخدمية المختلفة.. وبعد مناقشات عميقة ومداولات طويلة تم تأجيل المشروع، ولم يتم إلغاؤه، وتم تغيير آليات التنفيذ، ولم يتم الانصراف عنها، وتم التفكير في النقل الجزئي والمرحلي بديلاً عن النقل الكلي الذي يتم دفعة واحدة. وقد نشرت الصحف هذا الأسبوع خبراً عن بدء محافظة القاهرة في نقل 16 وزارة خارج القاهرة، وإخلاء مجمع التحرير، واتخاذ إجراءات لغلق القاهرة ومنع البناء عليها لعدم وجود مساحات يمكن البناء عليها بعد التقسيم الجغرافي الجديد... وأشار الخبر إلي بدء الحكومة في تخصيص 2700 فدان لإقامة المدينة الحكومية الجديدة علي طريق القاهرة - السويس.. إضافة إلي إجراءات أخري لإخلاء القاهرة من الأنشطة المسببة للزحام، ولخلخلة الأماكن المزدحمة وتحويلها إلي أماكن أخري.وحسناً فعلت الحكومة عندما بدأت في التنفيذ المرحلي لهذه الفكرة ولتلك الخطة، فالقاهرة لم تعد قادرة علي حمل سكانها، ولم تعد قادرة علي حل مشاكل قاطنيها.. وقد يتصور البعض أن فكرة إنشاء عاصمة حكومية جديدة لمصر هو من قبيل الترف الفكري الذي لا تقدر عليه مصر في هذه الفترة، ولا تحتاج إليه خلال هذه المرحلة.. والواقع أن فكرة هذه العاصمة الحكومية الجديدة أصبحت مطلباً ملحاً، وضرورة واقعية.. وإذا لم نتمكن من تحقيق الحلم كله في يوم واحد، فلنحققه في أيام متعددة وعلي مراحل.. المهم أن تتحقق الفكرة ويتم المشروع، ففيه خير كبير للقاهرة ولساكنيها.