رغم أن النتيجة التي انتهت إليها نقابة الصحفيين الأحد الماضي قد عكست في جانب منها نوعًا من الحيوية داخل الجماعة الصحفية، والتي هي في واقع الأمر جزء من حيوية يعيشها الشارع المصري منذ عدة سنوات، إلا أن الأجواء التي صاحبت العملية الانتخابية منذ اللحظات الأولي للإعداد لها تستحق الوقوف عند تفاصيلها كثيرًا وقراراتها مليًا. فبينما دأبت الجماعة الصحفية العاقلة علي المطالبة بأجواء نقابية ومهنية وعدم جر النقابة إلي الصراعات السياسية الصغيرة، نجد جماعة أخري تصر علي تسييس العمل النقابي وإصباغ الأجواء الانتخابية بصبغة التنافس السياسي وبين قوسين غير النزيه أو الشريف. فما معني أن يحتل محترفو مهنة التظاهر "عمال علي بطال" ومعظمهم من غير الصحفيين باب نقابة الصحفيين منذ صباح يوم الأحد هاتفين بُترّهات من قبيل (لا للمطبعين، لا للصهاينة، لا للإسرائيلين في نقابة الصحفيين) مع رفعهم لافتات تأييد للأستاذ ضياء رشوان، وما معني أن تلحق كلمة وطني في الدعوة لتأييد مرشح بعينه بالقول، (رشح الأستاذ ضياء وحكم ضميرك الوطني) هل هذا يعني أن المرشح المنافس الأستاذ مكرم محمد أحمد ليس وطنيًا؟ وأن من انتخبوه في الدورات السابقة والانتخابات الأخيرة ليسوا بوطنيين أيضًا!! وهل يعني أن مؤيدي الأستاذ مكرم صهاينة وإسرائيليين؟ إن ما شهدته الانتخابات يؤكد أن إرهابًا قد وقع تحت تأثيره الناخبون، وكان وراءه تحالف اليسار الإخواني داخل نقابة الصحفيين الذي اجتمع علي هتافات أقل ما توصف بالتافهة والمراهقة من قبيل (لا لنقيب إسرائيل والتطبيع نعم لتحرير النقابة) "بالطبع تحريرها من إسرائيل"!، ولا عجب فطالما دأب هذا التحالف "الكفتة" علي تمزيق الجماعة الصحفية علي خلفية صراعات سياسية لا شأن للعمل النقابي بها من قريب أو بعيد، لكنه يعكس في واقع الأمر مدي ضعف الأحزاب والقوي السياسية التي يعبر عنها هذا التحالف، بل علي الأرجح أن مثل هذه العناصر هي التي أفسدت بسلوكها الإرهابي العمل الحزبي في مصر خاصة هذا الذي يطلق عليه (جيل الوسط) المتصارع علي الزعامة داخل معظم أحزاب المعارضة، ولما لفظتهم أحزابهم نقلوا أمراضهم الزعامية داخل نقابة الصحفيين، وليس بعيدًا عن الذاكرة تطاحنهم فيما عرف باسم "حركة كفاية" أيضا من أجل الزعامة وفقط. والأمر لا يقتصر علي مطاريد الأحزاب فهناك أيضًا التنظيمات المحظورة والسرية اليسارية والإسلامية والتي تسعي من خلال بعض عناصرها لإيجاد منبر سياسي داخل جميع النقابات المهنية ولا أقول نقابة الصحفيين وحدها، ورغم اختلاف مشارب ومقاصد اليساريين والإسلاميين إلا أنهم وجدوا في تحالفهم سبيلاً لتحقيق أهدافهم بتسييس العمل النقابي والسيطرة عليه فكان ما يمكن تسميته بتيار اليسار الإخواني. إن تشويه العمل النقابي والمهني لم يكن فقط برفع لافتات التخوين والتشكيك في ضمائر الجماعة الصحفية بل كان أيضًا برفع لافتات تهتف بما أسموه بالنقابة المستقلة والمرشح المستقل، ولا أدري ماذا قصد هؤلاء بشعار نقابة مستقلة فهل كانت نقابتنا محتلة لا سمح الله؟ ومن هو المحتل علي وجه التحديد لننتفض معهم. إن ما حدث يوم الأحد الماضي يشير إلي أننا أصبحنا بصدد جيل من شباب الصحفيين المتظاهرين الذي أفرزته ما تُسمي بصحف مانشيتات التظاهر وهي العناوين التي لا تصلح إلا مجرد شعارات في مظاهرة سياسية. هذا الجيل الذي يعبر عنه نموذج الصحفي المتظاهر ينبغي الانتباه لضرورة تحسين أدائه المهني وتدريبه علي الفصل بين كونه صحفيًا وكونه سياسيًا، بمعني آخر إذا أراد الصحفي المشاركة في تظاهرة سياسية فلا ينبغي أن يشارك في تغطيتها صحفيًا، وإن أراد الأخيرة فعليه أن يكف عن الهتاف ليؤدي مهنته وفقًا للضمير المهني، فلا ضرر من أن يكون الصحفي ناشطًا سياسيًا لكن الضرر إذا خلط بين الأمرين. أيًا ما كانت نتيجة انتخابات الاعادة الأحد المقبل فإن من الضروري أن تختفي تلك الشعارات السخيفة، لأن استمرارها والاصرار عليها يشكك وبكل وضوح في أداء النقيب الذي يدعو إليه رافعو تلك الشعارات، مهما حاول تأكيد أنه سيصبح نقيبًا لكل الصحفيين وليس لفئة سياسية بعينها، لأنها وببساطة جعلت منه مرشحًا سياسيا لا نقابيًا، وحملت بسفور دعايا عدائية لكل مختلف في الرأي مع أصحابها وهو ما لا يبشر بمستقبل نقابي حال فوز مرشح تيارهم حسبما يعلنون. ما أريد قوله إن النقابة لكل الصحفيين بخدماتها وبرامجها من أجل تطوير الأداء المهني وتحسين أوضاع الصحفيين الاقتصادية والاجتماعية ولا مكان فيها للتناحر السياسي ولكل صاحب موقف سياسي أن يعبر عنه في الصحيفة التي تمثل تياره أما العمل السياسي المحض فمحله الأحزاب وليس غيرها.