هناك سبب رئيسي للألم والتألم في عالم اليوم، هو العنف الممارس علي الانسان بواسطة الانسان . ان فعل الشر هو دائما، بشكل مباشر أو غير مباشر، فعل أذي للآخر، أي جعله يتألم، وفي بنيته الارتباطية، الحوارية، فإن الشر يرتكب من قبل أحدهم يجد ردا عليه في الشر المتلقي من الآخر. (4). ان الشر - عند بول ريكور - هو ما لا يجب ان يكون، بل يجب ان يصارع، لذا فإن السؤال : من أين يأتي الشر ؟ يجب أن يقترن بسؤال آخر : ما العمل في مواجهته ؟ .. هكذا تتوجه أنظارنا وحلولنا العملية باتجاه المستقبل، بفكرة المهمة الواجب انجازها، والتي تستجيب لفكرة الأصل الذي يجب اكتشافه. كل شر مرتكب من قبل البعض هو شر متلقي بواسطة البعض الآخر . ان فعل الشر هو فعل ايلام للآخر . والعنف لاينفك يعيد صناعة الوحدة بين الشر المعنوي والتألم . وعليه، كل فعل، أخلاقي، أو سياسي يقلل كمية العنف الممارس بواسطة البشر بعضهم ضد بعض، ينقص معدلات الألم في العالم. فلننقص التألم الذي يسببه الناس بعضهم لبعض وسوف نري ماذا يتبقي من الألم في العالم، الحقيقة لانعرف مادام العنف يخصب الألم . (5 ). واذا كان الشر كما يقول ريكور: هو مالا يجب ان يكون، بل يجب ان يصارع، وبما اننا كلنا نريد الخير ونرفض الشر، يصبح المطلوب هو إعادة صياغة الانسانية في الانسان وتحديدها من جديد، لا من حيث تمايزها أو تنافرها مع انسانية الآخر بل من خلال الاندماج به لتشكل معه وحدة جدلية يكون فيها التناقض شرط وجود هذه الوحدة، وبذلك يصبح الخير والشر واحدا في تشكيل الوجود، فكلاهما ضروري لهذه الكينونة. وكما ان الأسطورة جعلت مقابل الإله قوة الخير الأسمي، الشيطان الذي هو قوة الشر الأعظم، ووضعت الشر مقابل الخير، والعدم مقابل الوجود، ونظرا لأن الوجود بدون الشر يصبح ناقصا، تصبح مهمة الإنسان الأولي من الناحية الأخلاقية والسياسية العمل ضد هذا الشر، وتقليصه في أضيق الحدود (6 ) . واذا كان الفيلسوف الألماني ليبنتز قد أكد في التيوديسة بان هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، فان مفهومنا لهذا العالم لن يكون بغير وجود الخير والشر، الاثبات والنفي، وهذا ما يؤكده العلم في تركيبه نواة الذرة حيث ان عدد الشحنات السالبة يساوي عدد الشحنات الموجبة ولهذا يكون الوجود الذري وجودا حقيقيا، ولا ينبغي اذن ان نتصور عالما خلاف ذلك، حتي ان كل الديانات الإبراهيمية تتحدث عن وجود الجنة كخير أسمي والنار كشر أعظم. وهكذا تتفق الأسطورة والفلسفة والدين والعلم علي ان وجوبية وجود الوجود تستلزم وجود النقيضين (الخير والشر) كوجهين مختلفين ومتكاملين لحقيقة الوجود. ان الصراع مع الشر لن يكون إلغاء له، بل تطويعه للخدمة في التخفيف من آثاره السلبية علي مطلب السعادة الانسانية، وهكذا يدعو ريكور الي انقاص : كمية العنف الممارس بواسطة البشر بعضهم ضد بعض ( كي ) تنقص معدلات الألم في العالم .(7 ) الهوامش : 1- بول ريكور : فلسفة الإرادة، الانسان الخطاء، ترجمة : عدنان نجيب الدين، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء - المغرب، الطبعة الأولي 2003، ص : 216 . 2- المرجع نفسه، ص : 217 . 3-المرجع نفسه، ص : 10و11 . 4-المرجع نفسه، ص : 222 . 5-المرجع نفسه، ص :242 6-المرجع نفسه، ص : 243 7-المرجع نفسه، ص : 12 .