تعيش الحكومة هذه الأيام حالة مريبة من الغرام.. عواطفها الجديدة مشبوبة بالوجد.. ومشاعرها المستحدثة غارقة في الهيام.. تسرح في كل لجنة تعقدها.. وتهيم حين تلتقي الأغراب فيتساءلون: ما الذي ألم بها؟.. وهم لا يدرون أن قلبها مشغول.. وبالها مسطول.. وعقلها مسكر بالحب العظيم.. فضربت عرض الحائط بالوقار المتوقع منها.. ولم تعد تنتبه إلي ما عليها من مسئوليات.. وأطاحت حتي بأي رصيد من الحرص علي السمعة.. كما لو أن العشيق الجديد قد أعد لها عملاً سرياً.. سقاه لها ذات مرة في كازينو علي النيل.. أو مطعم دائري لف برأسها في برج القاهرة بعد إصلاحه وإعادة تجديده. علاقة حرام.. في الظلام.. رائحتها فاحت.. وسيرتها أصبحت علي كل لسان.. الناس تتكلم.. والشائعات كثرت.. كيف بهذه الفاضلة ترتكب تلك الحماقات.. هل جنت في عقلها أم أنها مجني عليها.. ضربتها اللوثة العاطفية.. ولفت حبل أحاسيسها علي رقبتها حتي كادت تهدم بيتها.. لا تقيم حساباً لعشرة.. ولا تضع اعتباراً لأسرة.. وأصبح الجميع يتوقعون خبراً مؤلماً.. أو فضيحة بجلاجل.. إن لم يردعها أحد عن أفعالها الطائشة.. أو أن تعود من تلقاء نفسها إلي التزامات البيوتات العريقة.. وتقاليد العلائلات الأصيلة. والمشكلة أن الحكومة المتيمة لا تدرك أن عشيقها ولد محتال.. يخدعها.. لا هو يريد زواجاً.. ولا يعرف ستراً.. لعوب كبير.. لا تعنيه سوي مكاسبه ونزواته.. ولا ترضيه سوي علاقات الظلام الحرام.. لا يريد أن يتحمل مسئولية.. ولا يرغب في أن يسترها في بيت مستقر.. ومن ثم فإنها سوف تقع علي رقبتها.. حين تهدم بيتها بيدها.. وتكتشف الحقيقة إذا ما قررت أن تستجيب لإغواءاته التي لا تسمن ولا تغني من جوع. والعشيق السري للحكومة هو الصحافة الخاصة.. ولد طائش لا توجد عليه مسئوليات.. وليس مرتبطاً بأية قيم.. ولا تعوقه حسابات أو التزامات.. بلا أصل يفرض عليها القواعد.. ولا فصل يلزمه بالواجبات.. كل ما يمكنه أن يفعل من أجلها أن يلقاها مرة في بير السلم.. أو يتنزه بها خلسة في مكان قصي.. ولو أكرمها لتزوجها عرفياً لبعض الوقت.. وبالتالي هي مهددة بأن تقضي بقية عمرها في علاقة خفية لا يمكن أن تجاهر بها ولا تفتخر بحدوثها.. ولا تشبع لها احتياجاتها.. ولن تكون متأكدة أن ثمرات العلاقة سوف تنسب إلي الحلال والشرعية. ورغم ذلك فإن الحكومة تسترضي العشيق الخفي.. تقدم له المعلومات.. وترويه بالإعلانات.. وتجاهر في بعض الأحيان فتعطيه علنا بعض الحوارات.. لعله يرضي عنها.. ولعله يمنحها قبلة.. لكنها لا تدرك أن العلاقة بينها وبين العشيق من النوع الشاذ.. يرضخها بالكرباج.. وهي تتقبل ضرباته.. وطعناته.. متسائلة في غنج: أليس هناك مزيد من الألم؟ ولأن العشيق يعرف ما الذي يجعل الحكومة في حالة رضا فإنه يفرط في انتقادها.. ويزيد من الهجوم عليها.. وكلما فعل.. زاد انجذابها له.. وجرت وراءه تحاول أن تختطف منه موعداً سرياً جديداً.. فإذا ما تمنع وتعالي عليها دفعت له المال في شكل إعلانات لعله يقبل أن يعيد الوصال. والقصة أصبحت علي كل لسان. حتي أن بعض العقلاء قد ذهبوا يعيدونها إلي رشدها.. وينصحونها.. ويذكّرونها بأن عليها أن تحافظ علي سمعتها.. وأن تترك تلك النزوة.. وأن تؤمن بأن النشوات المسروقة لن تضمن للأبناء استقراراً وللعائلات هناءً.. فأومأت بالقبول وبدا أنها سوف تعود عما تفعل.. فإذا بالعقلاء يكتشفون أنها قد باحت للعشيق بكل ما دار معهم.. ونقلت له ما يقال في الغرف المغلقة.. وراح العشيق ينشر ما أعتقد أن ما نصحت به الحكومة أسرار.. بل يقول أيضاً إنه يعرف عن الحكومة ما لا تعرفه أسرتها.. وأن ما في مطبخ الحكومة موجود في طبقه.. قاصداً أن يفضحها ومؤكداً أنه سوف يستمر في ألاعيبه بها ومعها. إن الموضوع بسيط جدًا.. في البلد أربعة أنواع من الصحف.. الأول يصدر بترخيص من الخارج.. وهذه مجرد صحف إثارة بلا قيمة ودوريتها تنقطع ولا يلقي لها الناس بالاً، والثاني صحف حزبية تنطق بلسان أحزابها.. تعارض الحكومة علي طول الخط وموقفها صريح أمام القارئ.. فيقيم ما يصدر فيها علي أنه منطلق من موقف معارض لا لبس فيه.. والثالث صحف خاصة.. تدعي الاستقلال والحياد.. والرابع وهو الأساس والأكبر حجمًا وهو الصحف القومية.. التي توصف بأنها صحف حكوميه.. في حين أنها صحف تعبر عن كل المجتمع وتناصر الدولة بمعناها الواسع. والعقدة بين النوعين الأخيرين من الصحف: القومية تريدها الحكومة حكومية.. صحف في بيت الطاعة.. نشرات ملونة من أجل ترضيتها.. لا ترغب أن تسمع منها نقدًا ولا تتمني أن تري فيها ملاحظة.. تؤمر فتطيع.. وتسمع فتجيب.. تطبخ وتمسح وتنظف كما لو أنها خادمة فلبينية.. وليست حتي من النوع المصري الذي عرف التمرد.. والصحف الخاصة التي تهاجم الحكومة.. وتهدم أسس بيتها.. ولا تريد بقاءً للدولة وتدعو للفوضي.. وتنتقد كل أهل الحكومة.. ورموزها ومن حولهم.. وتعتبر أن ذلك هو حرية الصحافة. وتعتقد الحكومة بصريح العبارة أن الصحافة القومية مضمونة.. وفي بيتها.. وأنها لكي تسعي لترويض الصحافة الخاصة فإنها يمكن أن تمدها بالمعلومات.. وتسرب لها مشروعات القوانين حتي قبل أن يطلع عليها أعضاء في الحزب والحكومة.. وبالمرة تقدم لها الإعلانات.. وتكون بذلك عونها المادي.. ووسيلة ترقية مكانتها.. فتعطي لها الخنجر الذي تجرح به نفسها في إطار تلك العلاقة السادية.. وتضفي علي انتقادات الصحف الخاصة وطرقها الملتوية في هدم قيم الدولة إطارًا من المصداقية.. دون أن تتوقف تلك الصحف عن أن تستمر في خطة هدم الدولة. وكصحافة قومية فقد نصحنا الحكومة، وكانت المفاجأة أن تلك الجلسة نشرت في صحيفة خاصة بعد يومين.. والمثير أن مسئولاً كبيرًا في الحكومة قال كلامًا في السياسة والتوجهات العامة وجدته منشورًا في اليوم التالي في صحيفة خاصة أخري.. رغم أنه مازال كلامًا قيد التفكير ولم يصدر به أي قرار.. ومجرد اجتهادات في الهواء الطلق. إن علي الحكومة أن تنتبه إلي ما تفعل، وأن تدرك أن هناك حدودًا لهذه العلاقة الحرام.. وأن عليها أن تتوب.. وأن تلك الألعاب لن تدوم للأبد.. وأن تكون علي يقين من أن الصحافة القومية لن تكون مثل الزوج آخر من يعلم.. وأنه لا يليق بالحكومة أن تكون لها علاقات حرام في الظلام.. والاختيارات أمامها هي ووزرائها.