أصبح من النادر أن نجد في الفترة الأخيرة كتبًا جادة تتحدث عن موضوعات مهمة وشائكة علي غرار العلاقة بين الدين والدولة من خلال الرصد والتحليل الدقيق وليس من منطلق الكتابة عبر الانطباعات الشخصية وما يدور يوميا في برامج التوك شو الفضائية. ومن خلال هذا المدخل.. يسعدني كثيرا أن أجد كتابا جادًا.. يمكن أن أختلف مع بعض ما جاء فيه من أفكار، ولكن في ظل احترام تلك الأفكار وتقديرها. لما تمثله من رؤية مغايرة لأحداث جارية علي خلفية تاريخية. وينطبق علي المقولة السابقة كتاب د.أندريه زكي، الذي يحمل عنوان الإسلام السياسي والمواطنة والأقليات، وعنوانًا آخر فرعيا هو مستقبل المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، وهو كتاب يتناول واحدة من أهم الإشكاليات طيلة القرن الماضي، وهي العلاقة بين الدين والسياسة، تلك العلاقة الجدلية في الثقافة المصرية والعربية. يناقش الكتاب قضية المشاركة السياسية للمسيحيين في المنطقة العربية خاصة في مصر ولبنان علي خلفية نشأة القومية العربية وتراجعها واستقرار شكل الدولة في المنطقة العربية، كما أبدي كاتبه اهتمامًا ملحوظًا بموضوع تطور الإسلام السياسي في مصر من خلال دراسة مفصلة لكل من: جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونًا وحزب الوسط تحت التأسيس.. لرصد ملامح التطور الأيديولوجي لهذا التيار. يرصد الكتاب فكرة مهمة، وهي أن تطور الإسلام السياسي كخطاب أيديولوجي قد أدي إلي أسلمة القومية، وصار الحكم واجبًا دينيا، كما أصبحت المهمة الأساسية للدولة الإسلامية هي الدعوة الدينية، وأصبح من السهل تعميم وصمة الجاهلية والكفر علي المجتمع ومن فيه من خلال هذا التيار. كما يتناول الكتاب بعد ذلك قضية المشاركة السياسية للمسيحيين المصريين من خلال مناقشة العديد من الأفكار المهمة، وعلي سبيل المثال: - إن الأقباط ليسوا جماعة سياسية واحدة متجانسة، وهم موزعون بين طبقات اجتماعية متنوعة، ولديهم آراؤهم السياسية المتباينة، وهي المقولة التي تقف علي النقيض مما هو شائع الآن ممن أطلقت عليهم قبل ذلك الصحافة السوداء، التي تحاول أن تختزل المواطنين المصريين المسيحيين في اتجاه ديني واحد. - إن تطور العلاقة بين العلمانيين ورجال الدين في الكنيسة.. القبطية.. قد حسم لصالح رجال الدين نتيجة للإصلاح الزراعي وحل الأحزاب السياسية.. بما صنع تحولاً في التمثيل السياسي للأقباط العلمانيين إلي رجال الدين.. بحيث أصبح رجال الدين هم الصوت السياسي للأقباط، وهي مقولة أود أن أجتهد في تفسيرها بشكل مغاير لا يحمل الكنيسة وحدها تبعيات تلك المشكلة، بقدر ما هي مسئولية مشتركة للدولة أيضا في ظل شيوع مناخ عدم المشاركة السياسية بوجه عام. إنه كتاب قيم.. يؤكد أن العلاقة بين الدين والسياسة هي علاقة مركزية.. فالدين كنظام للقيم ومزود للمبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي هو عامل ضروري لا غني عنه في التنمية السياسية في الشرق الأوسط.