بعد الأمريكيين جاء الأوروبيون ليرفضوا ذهاب الفلسطينيين إلي مجلس الأمن للحصول علي موافقته بقيام دولتهم علي حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، الأوروبيون عللوا ذلك الرفض بأن مثل هذا الأمر سابق لأوانه، ولم يقل الأوروبيون لماذا هو سابق لأوانه، وما هو أوانه إذن؟! وحينما حاولوا الشرح قال خافيير سولانا المسئول عن الخارجية الأوروبية إن الوقت غير ملائم ويتعين علي الفلسطينيين الانتظار لوقت ملائم، ولم يقل هو أيضًا لماذا الوقت غير ملائم لموافقة مجلس الأمن علي الدولة الفلسطينية، ومتي يحل هذا الوقت الملائم، بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين أو أكثر؟ والأغلب أنه ليس لدي الأوروبيين إجابة شافية للفلسطينيين والعرب لأنهم لا يستطيعون القول إن الوقت غير ملائم أو سابق لأوانه للطلب الفلسطيني لأن الإسرائيليين يعترضون عليه ويرفضونه، وهو ذات الموقف الأمريكي أيضًا.. الوقت ملائم فقط لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدون أي ضمانات ومن البداية، وليس من النقطة التي انتهت إليها، وبدون التزام إسرائيل بتجميد الاستيطان، وبدون أيضًا تحديد مرجعيات هذه المفاوضات.. أما غير ذلك فهو سابق لأوانه. وإذا كان وصول عملية السلام لنفق مظلم هو السبب الأساسي لقرار أبومازن عدم ترشيح نفسه مجددًا للرئاسة الفلسطينية، فإن الموقف الأمريكي والأوروبي من لجوء الفلسطينيين إلي مجلس الأمن للاعتراف بدولتهم سيكون في الأغلب هو السبب الأساسي لتصميم أبومازن علي موقفه وتمسكه بترك الرئاسة الفلسطينية بل وكل مواقعه الأخري.. رئاسة فتح ورئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، كما أفصح بذلك للتليفزيون المصري بعد لقائه بالرئيس مبارك، لقد حاول أبومازن أن يفتح ثغره في الحائط المسدود أمامه ليحرك عملية السلام من النفق المظلم، ولكن ها هم الأوروبيون ومن قبلهم الأمريكيون يمنعونه من ذلك وهذا من شأنه بالطبع أن يعزز موقفه الرافض للاستمرار. هكذا إذا كان صدور قرار دولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية سابقًا لأوانه فإنه يبدو أن الأمر الوحيد الذي بات في أوانه هو اختفاء أبومازن عن الساحة السياسية الفلسطينية.. وربما تحدث أمور أخري قبل اختفاء أبومازن من بينها لجوء الفلسطينيين إلي الجمعية العامة، وربما أيضًا حل السلطة الفلسطينية ذاتها، فهذا احتمال غير مستبعد، وإن كان ليس احتمالاً كبيرًا حتي الآن.. ولكن بات علي كل الأطراف المعنية التحسب والاستعداد لما بعد أبومازن، حتي وإن كانت بعض هذه الأطراف مازالت تحاول إثناءه عن قراره وإقناعه بالاستمرار في قيادة السلطة الفلسطينية. ولقد كان الإسرائيليون هم أول من بدأوا يستعدون بالفعل لمرحلة ما بعد اختفاء أبومازن. فهم عادوا إلي لعبتهم القديمة، وهي لعبة المسارات المختلفة، وذلك حينما قدموا العروض عبر فرنسا لسوريا لإحياء المسار السوري وبدء مفاوضات جديدة مع السوريين، وإن كانوا لا يفضلون الآن وساطة الأتراك.. وفي ذات الوقت بدأوا التلويح لحماس بإمكانية التفاوض معها حول حل مؤقت وهدنة طويلة الأجل.. وهذا ما قاله شاؤول موفاز بوضوح. وإذا كان كل ما يهم قادة حماس هو استمرار سيطرتهم علي قطاع غزة وتوسيع نطاق سيطرتهم إلي الضفة الغربية، فإنهم قد لا يمانعون أن يحلوا محل السلطة الفلسطينية وأبومازن في التفاوض مع الإسرائيليين.. بل إنهم تفاوضوا بالفعل مع الإسرائيليين من خلال مصر من قبل حول التهدئة أيضًا وحول صفقة لإطلاق الجندي الإسرائيلي شاليط، لكن الجديد والمثير هو ما كشف عنه أبومازن في حديثه للتليفزيون المصري بخصوص مشاورات تجري بين ممثلين لحماس وإسرائيليين حول الحل المؤقت أو الدولة الفسطينية المؤقتة. وهكذا.. لم ينتظر الإسرائيليين حتي يتخذ أبومازن قراره بالاعتزال السياسي إنما بدأوا التحرك والاستعداد لمرحلة غيابه.. ويبدو أن هذا ما فعله قادة حماس أيضًا ليؤكدوا أن القضية الفلسطينية تتحرك بجدارة وسرعة للخلف!