طيرت الصحف خبرا عن قيام أحد المحامين الأقباط بالحصول علي توكيل من مئات الأفراد لإنشاء حزب وصف بأنه قبطي، في حين أن وكيل المؤسسين يقول إنه حزب خاص بالأمة المصرية، وتضم قائمة المؤسسين مسلمين، وليس فقط أقباطًا، وإن كان الأقباط هم الأغلبية، وسوف يدافع الحزب المقترح إنشاؤه، حسب تصريح وكيل المؤسسين، عن الأقباط، وأهل النوبة، والمهمشين، إلخ.ش هناك من وصف مشروع الحزب بأنه طائفي وهناك من قال إنه محكوم عليه بالفشل لأنه يخالف نص الدستور الذي يحظر تأسيس الأحزاب علي أساس ديني، وفريق ثالث قال إن إنشاء حزب مثل هذا سوف يفتح شهية الإخوان المسلمين للمطالبة بحزب إسلامي، وهكذا تعددت الحجج الرافضة للحزب، لكن أيا منها - من وجهة نظري - لم يقترب من جوهر الموضوع. أولا: دعنا نعترف بأن هناك أزمة مشاركة في المجتمع، الأقباط يشكون من غياب مشاركتهم السياسية، وتضاؤل عدد الأعضاء الأقباط في مجلس الشعب، وشبه غياب كامل عن الأحزاب السياسية رغم هشاشتها وضعفها، هذا صحيح، ولكن هناك فئات أخري تعاني من تهميش واضح إما بسبب الوضع الاجتماعي الفقراء، أو بسبب الانتماء الجغرافي الصعيد أو بسبب الشريحة العمرية الشباب الخ، إذن أزمة المشاركة واسعة، وتشمل فئات عديدة، ويجب أن تكون هناك حلول شاملة للتعامل معها. ثانيا: إن ظاهرة الأحزاب الدينية ليست بدعة، فقد عرفتها أوروبا ودول أخري، ولكن المشكلة ليست في المسمي، وإنما في المضمون، الحزب، قد يحمل اسما دينيا، دون أن يعني ذلك أنه يستند إلي نصوص دينية، أو لديه تصورات دينية للدولة والمجتمع، قد تكون لدي الأحزاب الدينية آراء محافظة في القضايا الاجتماعية والأخلاقية، لكن ستظل تمتلك برامج اقتصادية واجتماعية شاملة، ورؤي للتعامل مع مشكلات المجتمع انطلاقا من تصورات مدنية، وليست دينية، وإذا افترضنا جدلا أن المسلمين صار لهم حزب، والمسيحيين كذلك، فماذا ستكون أيديولوجية هذين الحزبين؟ الإخوان المسلمون فشلوا في أن يكون لهم برنامج سياسي يخاطب مشكلات المجتمع انطلاقا من تصورات مغايرة عما هو مطروح في السوق السياسية، وأغلب الظن أن الفشل سيلاحق المسيحيين أيضا، والسبب أن الأديان لا توجد بها نظريات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تحوي الكتب المقدسة مبادئ وقيمًا، لكنها ليست كتبا سياسية، ويظل للعصر، والاجتهاد، والتفكير العقلاني دوره في حسم الخيارات السياسية والاقتصادية في المجتمعات. ثالثا: لست أريد أن أصادر علي حق أي شخص في التعبير عن رأيه السياسي، فمن حق أي جماعة أيا كانت أن يكون له حزب، ولكن سيظل السؤال: هل يخدم هذا الحزب تطور المجتمع، أم يشده إلي الخلف؟ في رأيي أن أي حزب ديني سيشد المجتمع إلي الخلف، والسبب أنه سيقسم المصريين تبعا لهويتهم الدينية، وهو الأمر الذي تخلصنا منه منذ فترة، هناك بالفعل تعصب، وكراهية، ومشاعر سلبية، لكن هناك في المقابل اصرارًا عند غالبية المجتمع في استمرار الصيغة المصرية التي تقوم علي المواطنة واحترام حقوق المختلفين دينيا. وإذا قام حزب مسيحي يخدم 10٪ من السكان، فهل ننتظر حزباً إسلاميا يخدم غالبية المصريين؟ إنني أتفهم مشاعر الداعين إلي إنشاء حزب الأمة المصرية، وهي مشاعر مأزومة، غاضبة، خائفة، بل مذعورة من مستقبل قد ترسم ملامحه قوي التطرف والكراهية، ولكن نحن جميعا، مسلمين ومسيحيين، يجب أن نحلم بدولة مدنية، لا مجال فيها للتفرقة الدينية، وأقصر الطرق لسحب البساط من تحت أقدام مروجي الدولة الدينية هو إصرار الأقباط علي مدنية الدولة، وهو المنحي نفسه الذي يؤكده غالبية المسلمين المصريين. لا أود أن أترك هذا الموضوع دون التأكيد علي مسألة أساسية، أن الأقباط تأثروا كثيرا بالإسلام السياسي الذي بهت عليهم، وجعلهم أكثر تشددا في النظرة إلي الفن والثقافة والحياة، يميلون إلي العزلة، والتقوقع، وها فكرة الحزب القبطي نابعة في المقام الأول من فكرة الحزب الإسلامي الجاثم علي صدر النقاش العام في مصر منذ عقود من هنا فإن اللوم الدائم للاقباط لا معني له، ولكن المطلوب هو أن يفتح المجتمع ذراعيه لهم، هذه هي مسئولية الحكومة في المقام الأول، ثم الأحزاب والنقابات، وبقية مؤسسات المجتمع. إذا وجد الأقباط أنفسهم في المجال العام فلن نجد من يدعوهم إلي العزلة والاستقالة في حزب سياسي مغلق عليهم أو علي نفر قليل من أبناء مصر. نريدها مصر لكل المصريين. هذا الشعار الذي نردده يحوي الكثير، ولكن أين الفهم؟