أول دراسة - قيمة وعميقة - من نوعها عن الملامح التي تشكّل أسلوب حياة المبدعين سواء الأدباء أو الفنانين، وتحديدا كتّاب الرواية والفنانين التشكيليين. يحلل الباحث الراحل مؤخرا محمد عبد العظيم في كتابه الممتع "أسلوب حياة المبدعين" الصادر عن دار آفاق، الفروق بين المبدعين وغير المبدعين في أسلوب الحياة، ويري أن المبدع مثل بحر أو نهر، سطحه ساكن لكن أعماقه شديدة الحركة، ويشير إلي أن التوجه الاجتماعي أكثر وضوحا لدي كتّاب الرواية، بينما التوجه الروحي أو الروحاني هو الأكثر وضوحا لدي الفنانين التشكيليين. دراسة عبد العظيم ليست فريدة في الحقيقة بحسب تقديم د. شاكر عبد الحميد لها، لكنه اهتم بدراسته تلك بظواهر كثيرا ما تجنبها سابقوه، ومنها علي سبيل المثال علاقة المبدع بالمرأة وبالأسرة وبالأصدقاء وبالمجتمع، وبالمكان والزمان، والأهم بالدين والغيبيات، أما المثير فعلاقته بالمخدرات والمسكرات. يتضمن الكتاب تفاصيل عن طقوس الإبداع وغرائبه، وتفسيرات طريفة وشيقة لمسائل من قبيل أسباب ميل ليوناردو دافنشي للعزلة، ويستعين الباحث بتعريف بيكاسو للمبدع بأنه "رجل سياسة" بالطبيعة، وهذا ما يفسر سر الخلفية السياسية لأغلب الكتاب حول العالم، لكن عموما يسلك المبدعون سلوكيات مغايرة للمعايير المجتمعية، وقد يكون الإبداع طريق أحدهم لتعويض وتغطية أوجه نقص ما.. أكثر جوانب الإفادة في الكتاب، تعريفات فعل الإبداع، وهو تنظيمات من قدرات عقلية أو استعدادات شخصية، من غير المشروط أن تؤدي إلي منتجات إبداعية متخصصة، إذ من الممكن أن يدخل في نطاق الشخص المبدع الشخص الذي يعالج مواقف الحياة بطريقة إبداعية. من سمات المبدعين التي يوردها الكتاب وقد توصّل إلي شعرة الجنون، اهتمامهم الضئيل بالعلاقات الشخصية، وميلهم إلي التأمل الذاتي، وتفضيل التركيب علي البساطة، وينجزون عن طريق الاستقلال أكثر من الانصياع، ويفضلون أن يكونوا ضمن أقلية، ويتميزون بالاكتفاء الذاتي والثقة بالنفس والنزعة الفردية، أما الأغرب أنهم أكثر ميلا للأنوثة في صفاتهم!