لم يكن مدهشاً أن يكرر جمال مبارك اعتباره انتقادات المعارضين للحزب الوطني أمراً طبيعياً في حياة ديمقراطية وتأكيداً علي حيوية المجتمع.. وتنوعه.. ومن ثم قوته.. ذلك أن تلك هي قناعاته التي كررها في مناسبات مختلفة.. وربما عبر عنها من قبل في أكثر من مؤتمر حزبي. كما أنه لم يكن جديدا، وإن استدعي الانتباه والتوقف، أن يؤكد جمال أن الانتقادات التي يتعرض لها الحزب.. هي نتاج مناخ أتاحه الحزب.. باعتبار أن الحزب ساند الإصلاح السياسي وقاده.. وأن نوابه في البرلمان هم الذين صوتوا علي قوانين ترسخه وتجعله مؤسسياً. المنطق يقول إن المعارضين لن يمتدحوا الحزب الحاكم صاحب الأغلبية.. هذا ضد طبائع الأمور.. كما أن المنطق يقول إن الحزب الوطني لن يقف صاغرا أمام الهجوم الذي يتعرض له.. الصحيح بالطبع أنه لن يعمل ضد المناخ الذي انتج الهجوم.. وإنما من حقه أن يرد.. وأن يفند.. وأيضا أن ينتقد بدوره الآخرين.. وهذه طبيعة الأمور في حياة ديمقراطية تعددية.. لكني لم ألحظ علي الإطلاق أن الحزب وقياداته تعمدوا أبدا تشويه المعارضين.. أو اختلاق أقوال لم يقولوا بها. في كلمة الأمين العام المساعد أمين السياسات أمس الأول توقف جمال مبارك في مؤتمر الحزب لبعض الوقت عند الانتقادات التي توجه للحزب.. ورد عليها.. وفندها.. ولم يبد انزعاجا منها.. معتبرا ذلك دليل الحيوية وقوة المجتمع.. وأكد أكثر من مرة أن الحزب لن يحصل علي إجماع كامل علي كل سياساته ومواقفه.. فقد انتهي عصر الإجماع.. وسوف يكون هناك دائما رافضون بنسبة ما.. وتلك هي خصائص الديمقراطية.. ولا توجد سياسة في أي دولة في العالم يكون هناك اتفاق شامل كامل عليها من كل فئات الرأي العام. لكن المدهش هو أن عدداً من الصحف والبرامج راحت تشوه ما قال عن عمد.. علي الرغم من أنه كرره أكثر من مرة.. تشويه بدا مخططا ومرتبا.. وبإصرار علي التحريف.. ذلك أن ما قاله جمال كان علنياً ومذاعاً في جميع شاشات التليفزيون.. وأعادته عدة مصادر للأخبار.. وكان المريب هو أن يتم صياغة ما قاله بطريقة مخالفة لما ورد علي لسانه. مثلا، قال جمال مبارك: يقولون إن حزبنا هو حزب رجال الأعمال.. لسنا حزب رجال الأعمال.. نحن حزب الاستثمار والتشغيل.. والمشروعات الصغيرة وفرص العمل.. لكن صحيفة المصري اليوم الخاصة التي تتبني موقفا مضادا لجمال مبارك.. مسبقا.. ومعاديا.. راحت تحرف ما قال.. وتقول إنه ذكر أن الحزب الوطني ليس حزب رجال الأعمال وإنما حزب المستثمرين.. ومن ثم راحت إحدي محطات التليفزيون المتعاونة مع الجريدة تنقل هذا الكلام وتروجه علي نطاق أوسع. لقد انفردت تلك الصحيفة بهذا التشويه المتعمد.. والتحريف المقصود.. في ضوء أن القارئ العادي لا يفرق عادة ما بين رجل الأعمال والمستثمر.. وأرادت أن تنقض رسالة جمال.. وهي بالصدفة لا تقال للمرة الأولي.. وإنما قالها من قبل عدة مرات.. وفي مؤتمر العام الماضي.. بل إن أمانة السياسات لديها ورقة شبه ثابتة تبحث في سياسات الاستثمار والتشغيل وأمس الأول عقدت جلسة عامة لمناقشتها.. وقد تطرق رئيس الوزراء في كلمته إلي تحديات الاستثمار والتشغيل.. وفي المؤتمر كثير من الأمور التي تصب في نفس النهج.. الاستثمار أيا ما كان حجمه.. الذي يؤدي إلي التشغيل وتوفير فرص العمل. ولا أستطيع أن أفصل هذا عن خطة متعمدة لتشويه صورة جمال مبارك بشكل عام.. سوف أتطرق إليها فيما بعد.. ولكن الملاحظ في تغطيات المؤتمر بالذات في الصحف الخاصة أنها تجلت بصور متنوعة.. ومن ذلك الإصرار علي أن جمال مبارك كان يهاجم أحزاب المعارضة.. في حين أنه كان يرد علي الانتقادات التي أتي أغلبها من قوي غير الأحزاب.. والأهم أن هؤلاء الذين قالوا إنه يهاجم المعارضة تجاهلوا أنه فتح في كلمته الباب لمزيد من الحوار مع أحزاب المعارضة الشرعية.. وهو ما كرره في المؤتمر الصحفي. وفي خطة التشويه تأتي لعبة الصور وتعليقاتها.. وبالأمس أيضا وجدت احدي الصحف في تناول أمين السياسات لشربة ماء من زجاجة بلاستيك ما اعتقدت أنه يمكن أن يعبر عن رسالة لها.. فأفردت الصورة.. ووضعت تعليقا تحتها يقول حتي آخر قطرة.. كما لو أن هناك معني سياسياً في شربة ماء.. واجتزأ مصور أحد مشاهد جمال مبارك.. فصوره علي أن هناك أيادي ممدودة إليه مع تعليق منحرف آخر.. في صحيفة أخري. والتشويه سياق مرتب.. تمضي فيه تلك الصحف الخاصة بتعمد وعن قصد.. ولو اقتضي الأمر منها التحريف. واخراج العبارات من سياقها.. وإضافة ما لم يرد فيها إليها.. واجتزاء الصور.. والعبث بالمضامين.. وخيانة القارئ الذي يفترض أن ينقل إليه الخبر الوقائع وليس التلفيقات.. وممارسة الغش الصحفي بكل أساليب الانحراف المهني التي تحقق أغراضا سياسية معروفة.. وفوق هذا تجاهل عشرات من الأفكار التي قالها أمين السياسات في كلمته والتركيز علي بعضها واستبعاد أي من تلك التي يمكن أن تؤشر إلي دلائل ايجابية لصالح من قالها. لن يتوقف هذا التشويه.. ولن يخسر من جراءة أمين السياسات كما تعتقد تلك الصحف.. لأن هناك آليات اخري تنقل رسالته.. ولأن الجمهور كان لديه ممثلون في قاعة المؤتمر وأمام شاشات التليفزيون.. لكن هذا بالتأكيد يطعن في مهنية تلك الصحف.. ويرسخ ما هو متداول حول حجم مصداقيتها المنهدم والمنعدم.. ويثبت يوما تلو آخر أنها تعمل وفق أجندة خاصة لا علاقة لها بالقارئ.. وأنها لا تمارس الصحافة وإنما تقوم بعمل متآمر مرتب ومخطط ومتعمد والأدلة ليست هي تلك فقط التي وردت في هذا المقال.. فغيرها كثير.. ولنا عودة فيما بعد. الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net البريد الإليكتروني : [email protected]