وللوطن جمعية عمومية هي البرلمان، وكل ما يصدره البرلمان من قرارات هو قوانين يلتزم بها كل من يوجد علي أرض هذا الوطن بوصفها صادرة عن أكبر سلطة شرعية عرفتها الدولة الحديثة وهو ما ينطبق علي الاتفاقيات الدولية التي تعقدها الدولة ومن بينها بالطبع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية كامب ديفيد التي حددت الإطار الذي ستدور فيه مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، حرص فيها الرئيس السادات علي إثبات وتأكيد أن كل ما وصلت إليه اتفاقية كامب ديفيد يعتبر ملغي في حال عدم الموافقة عليها من مجلس الشعب المصري والكنيست الإسرائيلي، هكذا اكتسبت هذه الاتفاقية شرعيتها حتي ولو لم يتم الاستفتاء الشعبي عليها. وقديما قالوا نحن نحب أرسطو ونحب الحق، مع من سنقف عندما يتعارض الحق مع أرسطو؟ الواقع أنه من المستحيل أن يتعارض الحق مع أرسطو إلا علي مستوي الجدل فقط، فمن أفني عمره في التفكير في كيفية الوصول إلي الحق عبر المنطق، من المستحيل أن يكون ضد الحق. الحق لا يضاد الحق بل يدعمه ويدل عليه كما قال ابن رشد، وهو بالضبط ما لا نجده في قرار الجمعية العمومية الخاص بعلاقة الصحفيين المصريين الشهير بمنع التطبيع مع إسرائيل والإسرائيليين. قرار الجمعية العمومية لأية نقابة حق وقرار الجمعية العمومية للمصريين جميعا التي نسميها قرار مجلس الشعب، حق.. ماذا يحدث عندما يتعارض الحقان؟ الخدعة هنا لفظية بحتة ناتجة ليس من تعارض قرار الجمعية العمومية للصحفيين مع نصوص الاتفاقية التي وافق عليها مجلس الشعب فتحولت إلي قانون، بل في مجرد تقديم الاقتراح للجمعية العمومية لأية نقابة، ليس من حق أي مخلوق في أي مهنة أن يتقدم لأعضاء مهنته باقتراح يتعارض مع القانون. المتاح أمامه فقط كحق من حقوقه هو أن يعمل علي حشد أبناء مهنته والمهن الأخري من أجل أن يتقدم إلي مجلس الشعب لإلغاء اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وعليه هو وأبناء مهنته أن يلتزم بما يتوصل إليه مجلس الشعب، الذي نري أنه الجمعية العمومية للشعب المصري. أما الأسوأ من ذلك كله فهو عندما يقول لك أحدهم: أنا لست ملتزما بهذه الاتفاقية، فقد عقدها الرئيس السادات ولم يأخذ رأيي فيها.. أما حكاية مجلس الشعب.. ماانت عارف هو فيه مجلس شعب؟ ماهم بيوافقوا علي اللي عاوزاه الحكومة والحكومة وافقت علي اللي عمله السادات.. كل الأقوال من هذا النوع أصحابها ليسوا مسئولين علي أي مستوي، لأن أصحابها يعرفون جيدا أنه من المستحيل حتي علي الأفراد التنصل من تعهداتهم أمام الآخرين، ببساطة لأن ذلك يعطي نفس الحق للآخرين بالتنكر لتعهداتهم. ومع ذلك أنا أقر بحق كل غير الراضين عن اتفاقية السلام في مقاطعة إسرائيل وكل ما هو إسرائيلي. غير أنه لابد أن يكون واضحًا لديهم جميعا أنه ليس من حقهم الضغط علي الآخرين أو إرهابهم أو ابتزازهم بشعارات عاطفية لتغيير قناعاتهم أو إخفاء حقيقة ما يفكرون فيه. الضعيف في أحيان كثيرة يفضل التنكر علي هيئة شمشون الجبار، وهي ظاهرة قديمة يعرفها المصريون من قديم الزمان ولخصوها في تلك الحكاية القصيرة عن الرجل الذي عجز عن حمل عنزة فتبجح بأنه لا يجيد إلا حمل الجمال. في أحد برامج رمضان في التليفزيون المصري وجهت المذيعة سؤالا مبطنا بالاتهام لأحد رجال الأعمال الشبان : انت بتتعامل مع إسرائيل؟ فرد عليها: با بيع لهم بس.. يعني باكسب منهم. هو رجل أعمال يتعامل مع إسرائيل، وقد فوجئ بالسؤال الذي يتهمه بالتعامل مع ( العدو الإسرائيلي) فقرر أن يهرب عن طريق البطولة، أنا فقط أبيع لهم.. يعني باكسب منهم بس.. ويا تري هم بيعملوا إيه؟.. بيكسبوا هم كمان والا بيخسروا لك؟ هذا هو السؤال الذي لم تسأله له المذيعة. أنا أعتقد من وجهة نظر أخلاقية أن علي كل من يقبض مليما واحدا من الخزانة المصرية أن يمتنع عن بث إعلام الحرب وإثارة الكراهية، من حقه بالطبع أن يناقش كل ما يراه سيئا في سياسة الحكومة الإسرائيلية ولكن عليه أن يتذكر دائما أنه يعمل في الحكومة التي عقدت اتفاقية السلام. أما الإعلام غير الرسمي الذي هو امتداد طبيعي للإعلام الرسمي بحكم أن العاملين فيه يعملون في الحكومة نهارا وفي القطاع الخاص بعد الظهر فعليهم أن يتنبهوا وأن يراعوا الحذر عند التعامل مع هذه القضية، لا داعي للعمل كأبطال ثوريين.. كلوا بقلاوة واسكتوا. أما صديقي صلاح عيسي وحديثه عن الرفض الشعبي للتطبيع الذي " تقوم الحكومة المصرية بتسخينه حسب الأحوال" فلدي سؤال.. هو الشعب المصري قاعد عندكم انتم بس في نقابة الصحفيين والكتاب والفنانين؟.. وهو يعني الشعب المصري قرر فجأة أنه مع السلام قبل حكاية اليونسكو.. وبعدين رجع تاني بقي ضدها؟ في مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب، يقوم طلبة السنة الأولي في مدرسة ثانوية عسكرية بعمل انقلاب، وفي الصباح تصل آلاف برقيات التأييد من ( الشعب) ويبدي الرئيس الجديد دهشته عند قراءة تلغراف مرسل من النقابة العامة لعمال الحديد والصلب.. فيقول له زميله: أنا دورت لحد ما لقيت واحد حداد بعت التلغراف.. أما نقابة عمال الغابات فأنا لقيت واحد قاعد تحت شجرة فعملت له نقابة وخليته يبعت التلغراف.. مش الشعب يا صلاح.. ده انتم.