يحوي الكتاب ترجمة إلي الإنجليزية لأكثر من سبعين قصيدة نبطية للمرأة مذيلة بتحليل نفسي وأدبي أو نقدي، وأغلب تلك القصائد كانت "شفوية" جمعتها من كتاب "شاعرات من البادية" لعبد الله بن ردّاس 1950، وتختبر مفاهيم المرأة السعودية البدوية عن الحب والرغبة والحداد أو الرثاء والتظلّم والفخر والغزل والمدح أو الثناء. الغدير حاصلة علي دكتوراة الأدب المقارن الأفرو أمريكي العربي والفرنسي من جامعة كاليفورنيا بيركلي سنة 1999، وتعمل أستاذاً مشاركاً في قسم الآداب واللغات الأفريقية في جامعة ويسكنس مادسن، وتنشر قصصا متفرقة في عدد من الصحف المصرية والعربية، يصدر لها كتاب آخر بعنوان "القلق من الغريب"، كما تعمل علي كتابين آخرين أحدهما يناقش "الذاكرة والحداد في روايات توني موريسون وآسيا جبار"، والآخر يبحث في "شعرية تصوير الحيوان واللاإنسان في التراث الأدبي العربي وأبعادها الفلسفية". أما ردّاس هذا فكان شاعرا عربيا، قضي أكثر من عقد يجمع شعر النساء البدويات، وتمدنا المادة التي جمعها بنظرة داخلية نادرة علي ثقافة البدو، وكيف اختلفت موضوعات القصائد ومفرادتها بعد اكتشاف البترول. ومن أشهر قصائد الغزل المكشوف أو الإباحي، قصيدة "وضحا" التي تتغزل في معشوقها مستخدمة وصفا مكشوفا أو إباحيا بطريقة الإيحاء الواضح، بأن وضعت مكان الكلمة نقاطاً بين قوسين قائلة: "والله يا لولا الخوف وأدري المذلّة لحط له بين (... ...) مراحي" توضّح د. غدير أن شاعرات البادية في المملكة العربية السعودية كائنات إنسانية اجتماعية تأثرن بمجتمعهن سلبا أو إيجابا، وكن خير مثال لتقلّد قيم هذا المجتمع وأفكاره وعاداته وتقاليده، وقد بثت الشاعرات قصائدهن كافة مشاعرهن وأسرارهن وهواجسهن وأفكارهن في كافة الموضوعات التي لا تخلو من "الجنس" أحيانا، وقدمن عبر هذه القصائد صورا مختلفة من حيواتهن العاطفية والنفسية والاجتماعية والمعرفية. كما يساعد هذا الشعر علي دراسة أحوال سكان الجزيرة في مختلف النواحي، فضلا عن تسجيله لحوادث تاريخية خاصة بالصراع بين القبائل. أما سر حيوية كتاب غدير، الذي يعد من كُتب التراث النادرة، أنه مترجم عن كتاب انتزع "ميدانيا" القصائد من الشاعرات أنفسهن ومن أفواه الرواة خلال تنقل مؤلفه منذ عشرات السنين بين جماعات البدو الرحّل. مكمن أهمية الكتاب وصعوبته أن شعر النساء بخاصة كان يحاط دائما بالتكتم وعدم الإذاعة، بل كثيرا ما كانت تنظم المرأة الشعر ثم تخفيه بنفسها، وتكون النتيجة أن ينسي، أو ينسب إلي غير قائلته خاصة بعض الأشعار التي تتصل بالعاطفة، وما أكثر هذا النوع من الشعر. وهاهي "هلّة الهتيمية" تتغزل بمحبوبها وكانت تخفي حبها فتقول فيه: "كان انت في دو الخلا تمتنيني فأنا تراني كل يوم اتمناك حبك حرم علي كثرة النوم عيني ريفي مراعاتك وشفي بطرياك" وشاعرة أخري تدعي "نفلاء" من قبيلة "قحطان"، تصف بالعبارات الصريحة كيف ستكون مطمعاً للرجال والشهوة بعد أن يغادرها زوجها للسفر، ويصبح كلامها وأوصافها مطابقا للمثل العامي القائل: "إن غاب القط العب يا فأر". وأخري تعبّر عن أن حبها لأولادها يفوق حبها للزوج: "يمكن اترك الشوق من كثر ما حب والزوج ما يدخل بحب الجنيني" ومن أطرف القصائد، تلك التي تعرض لمساجلة شعرية بين شاعرة وأختها تمتدح فيها زوجها ذا الشأن الرفيع وتنتقص زوج أختها راعي الأغنام، وتقول في مطلعها: "شوقي غلب شوقك علي هبة الريح لا تقربن راعي الردي والدناعة" وشاعرة أخري تصف في قصيدتها كيف لجأت للانتحار بالسم حتي تتخلص من زوجها لشعورها برغبتها في رجل آخر، وتتمني بعد موتها أن تدفن بجانبه.